مـتى يسمـح لمـريض القـرحة الهضمية بـالإفطـار فـي رمضـان
بقلم الدكتور نعيم ابو نبعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبد
القرحة الهضمية هي تآكل في الجدار الداخلي للمعدة او الاثنى عشر او المريء، ووصول الافرازات الحامضية الى الانسجة الداخلية للجدار، وهذا يعني انها تتآكل نتيجة هضم جدار المعدة في نقطة معينة، و القرحة تكون نتيجة الفعل الهضمي لحامض المعدة ( كلور الماء ) في عضو ضعفت مقاومة غشائه المخاطي نتيجة اختلال التوازن القائم بين العوامل الدفاعية للغشاء المخاطي المغطي لجدار المعدة او الاثنى عشر لصالح العوامل الهجومية الضارة بذلك الجدار، ويمكن ان تتواجد القرحة الهضمية في:
1. الاثنى عشر ( وخاصة في الجزء الاول منه) ويكون هذا في حوالي %85 من الحالات.
2. المعدة : يمكن للقرحة ان تتواجد في اي مكان داخل المعدة، ولكنها في اغلبية الحالات تتواجد في الانحناء الصغير لغار المعدة.
3. الجزء السفلي من المريء.
4. القرحة الهامشية و التي تظهر غالباً عند وجود فوهة غير طبيعية كما هي المفاغرة بين المعدة و الامعاء الدقيقة.
اسبـــاب القرحــة الهضمية:
1. الجرثومة الحلزونية اللولبية ( هيليكوباكتر بايلوري ) ( Helicobacter Pylori ) و التي تم اكتشافها قبل حوالي خمسة عشر سنة وعادة ما تكون متواجدة في الطبقة المخاطية لجدار المعدة ملتصقة بالغشاء المخاطي المبطن لغشاء المعدة، وتختبيء تحت طبقة من المخاط لتحتمي من اذى عصير المعدة، كما انها تفرز افرازات قاعدية للسبب نفسه.
ان هذه الجرثومة تسبب في حالات عديدة التهابا في الجدار الداخلي للمعدة و الذي قد يتحول الى التهاب مزمن وقد ينتهي بالقرحة الهضمية، لان الالتهاب يؤدي الى ضعف في جدار المعدة مما يجعل الظروف مناسبة للعصارة الحامضة للهجوم على الجدار الضعيـف وهـذا مـا ينتهـي بالقرحــة.
ان طرق انتقال الجرثومة من شخص لاخر تكون عن طريق الماء او الماكولات الملوثة او عن طريق الاتصال الشخصي الحميم.
ويعتقد على نطاق واسع ان لهذه الجرثومة علاقة حميمة مع القرحة الهضمية،لانها تكون موجودة في اكثر من %95 من حالات قرحة الاثنى عشر واكثر من %70 من حالات قرحة المعدة، لذلك فعند معالجة القرحة الهضمية يجب اعطاء مضادات حيوية مناسبة للقضاء على الجرثومة الحلزونية اللولبية بالاضافة الى ادوية القرحة المتعارف عليها المثبطة للافرازات الحامضية.
ولكن بالاضافة الى هذه الجرثومة، هناك عوامل اخرى عديدة قد تساعد على حدوث القرحة وقد تكون هي السبب في ذلك، وبشكل عام فان قلة افرازات المادة المخاطية التي تحمي المعدة لها علاقة مع قرحة المعـدة وزيـادة الافـرازات الحامضية للمعـدة لـها علاقة مع قـرحـة الاثنـى عشـر.
2. العوامل النفسية مثل القلق و التوتر لانه ينرفز عصب المعدة مما يجعلها تفرز افرازات حامضية اكثر من المطلوب.
3. تناول بعض الادوية مثل الاسبيرين او ادوية الروماتيزم او الكورتيزون، و التي تسبب ضعف مقاومة الغشاء المخاطي.
4. تناول الكحول و الذي له تاثير سلبي على جدار المعدة فيضعف مقاومة الغشاء المخاطي.
5. التدخين لانه ينبه العصب المبهم فتزداد الحموضة، كما ان التدخين ( نتيجة وجود مادة النيكوتين ) يساعد على ارتخاء صمام البواب ويسمح برجوع الحموض الصفراوية من الاثنى عشر الى المعدة، وهذه الحموض الصفراوية لها تاثير سلبي، وتؤدي الى نقص مقاومة الطبقة المخاطية في المعـــدة.
كما يعمل التدخين على ارتخاء صمام الفؤاد ( الموجود بين المريء و المعدة ) مما يساعد افرازات المعدة الحامضة على الرجوع الى المريء، وهذا ما قد يؤدي الى التهابات حادة في المريء، و الذي قد يتطور الى التهابات مزمنة، وفي آخر المطاف قد يؤدي الى القرحة الهضمية في المريء.
اعـــراض القــرحة الهضمية:
1. ألم في المنطقة العليا من البطن: وقد يكون متجها في بعض الحالات الى الجهة اليمنى في حالة قرحة الاثنى عشر، او الى الجهة اليسرى في حالة قرحة المعدة، وعادة ما يحدث الألم بعد الطعام بساعة ويستمر لمدة ساعتين، وقد يضطر المريض لترك فراشه في منتصف الليل لشدة الالم، ويزداد الألم عندما تكون المعدة فارغة اي في وقت الجوع، اما اذا كان هناك التهابات شديدة في المعدة مرافقة للقرحة فقد يشعر المريض بالراحة اثناء الجوع وبالالم عند تناول الطعام، والسبب يكون التهاب الغشاء المخاطي المبطن للمعدة.
2. الحموضة التقليدية في المنطقة العليا من البطن.
3. الغثيان او التقيؤ: والذي يحدث احيانا خاصة في حالات القرحة الحادة التي قد تسبب تشنج شديد في البواب مع التهابات مرافقة شديدة.
4. الامساك او الاسهال نادرا ما تكون متواجدة، ولكنها قد تحدث نتيجة وجود التهاب تشنجي في الكولون مرافق للقرحة الهضمية.
وتتميز اعراض القرحة المذكورة انها تحدث على شكل دوري: فتأتي على شكل دورة، كنوبة تمتد من اسبوع الى اربعة اسابيع، وعندما تنتهي النوبة يستريح المريض فترة طويلة تتراوح بين بضعة اشهر الى بضعة سنين لتعود من جديد.
5. في بعض الحالات قد تكون اول اعراض القرحة نزيف دموي او حالة انسداد معوي او انثقاب مفاجيء في قرحة لم يكن المريض على علم بها او يشعر بها.
مضاعفات القرحة الهضمية:
1. النـزيف الدموي حيث ان التآكل في الغشاء المخاطي قد يمتد الى وعاء دموي في جدار المعدة او الاثنى عشر ممايسبب النـزيف.
ويلاحظ النـزيف بواسطة تقيؤ دم احمرعن طريق الفم، او قد يظهر النـزيف عن طريق الشرج ممزوجـاً مع الغائط الذي يكون اسود قاتم.
وفي حالة النـزيف عادة ما يشكو المريض من الشعور بالدوخان ويكون شاحب اللون ويعاني من هبوط في الضغط ( تعرق شديد …الخ ) وفي بعض الحالات يكون النـزيف ضعيف جدا لا تراه العين المجردة ولا يشعر به المريض ويظهر كحالة فقر دم بسيط.
2. الانسداد: وخاصة اذا كانت القرحة الهضمية في فتحة البواب او في الاثنى عشر ونتيجة لحالة الالتهابات المرافقة لها قد يحدث الانسداد في بعض الحالات.
وفي حالات اخرى قد يكون الانسداد مؤقت نتيجة تشنج عضلي في منطقة البواب فيحدث انغلاق لمدة ساعة او ساعتين وتتوقف المعدة عن الحركة ومن ثم يزول الانسداد المؤقت بعد اعطاء العلاجات اللازمــة؛ اما عن اعراض الانسداد فعادة ما تكون الم شديد يرافقه تقيؤ شديد.
3. الانثقاب: وهو اخطر المضاعفات فقد لا يقف التآكل و التقرح عند طبقة الغشاء المخاطي بل يتعداه الى الطبقات الاخرى العضلية و المصلية فيخربـها ويتلفها ويحدث الانثقاب.
والمريض الذي يعاني من انثقاب القرحة عادة ما يشكو من الم بطني شديد جدا ( مثل طعنة الخنجر ) وتكون حالته سيئة للغاية: شاحب اللون وقلق ويطلب الاستغاثة مع تعرق شديد وصعوبة في التنفس ويكون جسمه باردا.
عـلاج القــرحة الهضميــة:
نستعمل العلاج الثلاثي باختيار ثلاثة ادوية وهي افضل واضمن طريقة لعلاج القرحة الهضمية ويحتوي علــى:
1. عامـل مثبـط للحموضـة مثـل مثبـط مضخـة البـروتـون (Omeprazole ) او (Lansoprazole ) والذي يعمل على التئام القرحة.
2. مضادين حيويين لاستئصال الجرثومة الحلزونية ( اللولبية ).
ويستعمل العلاج الثلاثي صباحا ومساءً لمدة اسبوعين تقريبا، ونكمل المعالجة باستعمال مثبطات الافرازات الحامضية لمدة اسبوعين آخرين، وهذا العلاج هو المستعمل حالياً على نطاق واسع وهو الذي ننصح بـــه.
هــل هناك حمية خاصــة لمريض القرحة الهضمية:
يجب ان تكون حمية معتدلة تضمن للمريض الراحة النفسية والعصبية التي لها كل الاهمية في شفاء المريض، ولكن بشكل عام يمنع المريض من تناول الاطعمة الحامضية والمنبهة والبهارات والمخللات والطعام الدسم جدا، وعلى المريض كذلك التوقف عن التدخين والامتناع عن تناول المشروبات الكحولية والتقليل من تناول الشاي والقهوة والكولا.
العـلاج الجراحــي للقرحة الهضميــة:
يكون العلاج الجراحي في حالات نادرة فقط، حيث ان العلاج الطبي قادر باذن الله على شفاء القرحة الهضمية بشكل تام في الاغلبية العظمى من الحالات.
ويتم تحويل المريض للجراحة في حالة وجود مضاعفات خطيرة للقرحة مثل: النـزيف المتكرر او الانسداد الذي لا يمكن علاجه بالادوية او في حالة الانثقاب.
ويتمثل العلاج الجراحي بقطع العصب المبهم ( Vagotomy) في منطقة الصدر عند مـروره بالقـرب مـن المريء او قطعه عند دخوله الحجاب الحاجز او قطعه عند الفروع المنتشرة في المعـدة.
وان قطع العصب المبهم قد يؤدي الى نقص في حركات المعدة وتعطيلها مما يؤدي الى صعوبة في افراغ المعدة لذلك فان قطع العصب المبهم ( Vagotomy) يكون دائما مصطحبا اما باستئصال الغار المعدي ( Antrum ) او باجراء عملية تصنيع للبواب بحيث يزيد حجم فوهة البواب الفاصلة بين المعدة و الاثنى عشر.
هــل يوجد علاقة بين القرحة و السرطان:
1. من المعروف ان قرحة الاثنى عشر دائما ما تكون حميدة حيث لايوجد قرحة اثنى عشرية سرطانية الا في الحالات النادرة جـداً.
2. اما قرحة المعدة فلها وضع آخر فيمكن ان تكون سرطانية منذ البداية لذلك يجب عمل تنظير واخذ عينات كثيرة من تلك القرحة لمعرفة طبيعتها.
هــل لتغييـــر الطقس علاقة مع القرحة:
ان اكثر النوبات الناتجة عن القرحة تاتي مع تبدل الفصول مثلاً مدخل الشتاء او اول الربيع، وقد يحدث النـزيف الدموي للقرحة مع تغيير الطقس كذلك.
مـتى يسمـح لمـريـض القـرحـة الهضميـة بالافطـارفي رمضان:
الصوم او الترخيص بالافطار يعتمد على نوع القرحة الهضمية التي يعاني منها المريض:
· المريض الذي يعاني من القرحة المزمنة: يستطيع الصيام بشرط ان يتناول الادوية المثبطة لافرازات المعدة عند السحور وعند الفطور.
· المريض الذي يعاني من قرحة حادة: حيث يشكو في هذه الحالة من آلام شديدة عند الجوع او الم في منتصف الليل يوقظه من النوم…الخ، فهذا المريض عليه الافطار وعدم الصوم وكذلك في حالة حدوث انتكاسة لقرحة مزمنة او وجود مضاعفات للقرحة مثل النـزيف الدموي او في حالة عدم التئامها بالرغم من استمرار العلاج الدوائي، ففـــي هذه الحالات على المريض الافطار وعدم الصيام.
ولكن بشكل عام يجب مناقشة الموضوع دائما وابدا مع الطبيب المعالج فكل حالة لها مميزاتها وكل مريض له طبيعته الخاصة والطبيب المعالج هو المؤهل لاعطاء الترخيص …( والله اعلـم ).
بقلم د. نعيم ابو نبعه
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبد