التهاب الكبد الفيروسي نوع سي (c) “نقاط هامة”

د.نعيم ابونبعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبد
الحديث عن هذا المرض يأخذ حيزاً طويلاً , فبالرغم من الاعتقاد بأنه قديم جداً الا ان اكتشافه تم عام 1989م, وهو يزداد انتشاراً يوماً بعد يوم لأن معظم حاملي الفيروس C يتحولون الى حاملين مزمنين سواء ظهرت ام لم تظهر عليهم الأعراض المرضية, لذلك فمع انتشار حاملي الفيروس الذين لا تظهر عليهم أية اعراض للمرض لسنوات عديدة وربما لعقود , فيمكن للمرض ان يزداد تدريجياً وينتشر بشكل وبائي بين المواطنين دون ان ينتبه له الناس.
والمشكلة الأخرى التي نواجهها بخصوص مرض الكبد الناتج عن الفيروس نوع C أنه وحتى تاريخه لا يوجد اي تطعيم ضده , لهذا فالجميع مرشح للعدوى اذا لم يتم اتخاذ الاجراءات الصحية اللازمة واذا لم نبتعد عن جميع مشتقات الدم وعن جميع افرازات المصابين .
ومن الجدير بالذكر ان هذا المرض منتشر وبنسب متفاوتة في مختلف أجزاء الوطن العربي فهو الأكثر انتشاراً في جمهورية مصر العربية , حيث تقول بعض الاحصائيات بأن نسبة الاصابة هناك هي ما بين
15 – 20 % من السكان .
وهناك دراسات كثيرة ومتنوعة قام بها الكثير من الاختصاصيين والاساتذة في أمراض الكبد حول نسبة انتشار التهاب الكبد الفيروسي، و لا داعي للإشارة لها جميعها حيث انها مختلفة ومتفاوتة في مختلف انحاء الوطن العربي , وعلى سبيل المثال وفي احدى الدراسات التي قام بها الدكتور محمد فريد عبد الوهاب في احدى قرى المنوفية في مصر تبين ان 17% من المواطنين المصريين قد تعرضوا للاصابة بفيروس C كما تبين ان حوالي 56% منهم قد تعرضوا في احدى الايام للاصابة بالفيروس B وما زال 6% منهم حاملين للفيروس B بشكل دائم .
وفي نفس الدراسة التي نشرها الدكتور محمد عبد الوهاب ان 100% من المواطنين في تلك القرى المصرية قد تعرضوا للفيروس A , و ان حوالي 18% منهم سبق لهم التعرض للاصابة بالفيروس E .
وفي المملكة العربية السعودية ( تبوك – المنطقة الشمالية الغربية )، وفي دراسة أشرفت عليها شخصياً بالاشتراك مع الدكتور أحمد أبو السمن نشرت في شهر آب 1995م في كتاب قمت بتأليفه حول التهاب الكبد نشرته وزارة الصحة السعودية قمت بدراسة ( 8884 ) متبرعا بالدم وجدنا ان ( 103) منهم حاملون للفيروس C وهذا يعطي نسبة 1.3% من المواطنين الاصحاء السعوديين الذين لا يشتكون من اية اعراض للمرض.
وفي الولايات المتحدة الامريكية تقدر حالات التهاب الكبد الفيروسية نوع C بحوالي أربعة ملايين حالة وأن حوالي ( 30000 ) هي الحالات الجديدة التي تكتشف كل عام , وان حوالي ( 8000 ) يموتون سنوياً نتيجة هذا المرض , هذا وان مضاعفات هذا المرض تعتبر الآن في أمريكا من أهم الأسباب التي تستدعي زراعة الكبد .
و لقد لوحظ في الولايات المتحدة الامريكية سرعة انتشار هذا المرض عند الأشخاص الذين يبدأون باستعمال الأدوية والمخدرات المحظورة عن طريق الوريد حيث ان اكثر من 50% منهم تنتقل لهم العدوى خلال ستة الى اثني عشر شهراً من بداية انحرافهم الى المخدرات.
تشخيص المرض
يتم التشخيص عادة اذا وجدت دلالات الفيروس في الدم بالاضافة الى ارتفاع في انزيمات الكبد , و يجب عدم اصابتنا بالخوف والذعر اذا وجدت بعض الدلالات لهذا الفيروس في الدم , حيث ان هذا لا يعني دائماً ان الحالة سوف تتقدم الى التهاب مزمن او الى تشمع و تليف في الكبد . فربما يعني ذلك انه كانت هناك اصابة قديمة في الماضي , وان الدلالات الموجودة الآن هي اجسام مضادة مناعية كان قد كونها الجسم وان الموضوع قد انتهى ولم ولن يحدث مضاعفات وما على المريض الا ان ينسى الموضوع كلياً .
واحتمال آخر عند وجود هذه الدلالات هو ان يكون الشخص حاملا للفيروس فقط بدون وجود مرض حقيقي في الكبد .
و لذا فالمطلوب عند اكتشاف هذه الدلالات في الدم هو استشارة اختصاصي في هذا الموضوع والذي سيقوم بإجراء فحوصات أخرى لمعرفة إذا كان هناك مرض حقيقي في الكبد أم لا ولمعرفة مرحلة المرض في حالة وجوده .
ملاحظة هامة : قد تظهر الأجسام المضادة Anti HCV بدون وجود التهاب فيروسي C وهذا ما يسمى بالايجابية الكاذبة والتي قد تظهر في بعض الحالات والامراض ومن بينها التهاب الكبد المناعي الذاتي Autoimmune Hepatitis .
مقياس ارتكاس البوليميراز PCR HCV RNA PCR test
إن مقياس ارتكاس البوليميراز PCR هام جداً لتشخيص التهاب الكبد الفيروسي نوع C وكذلك لمعرفة ومراقبة التحسن الذي قد يحدثه العلاج الطبي باستعمال الانترفيرون .
وهو أفضل بكثير من مقياس ELISA لأنه يكتشف وجود الفيروس C عند المرضى الذين لا يشتكون من أية أعراض وكذلك يمكنه اكتشاف الفيروس في الحالات الحادة (الحديثة ) أو المزمنة والذين لم تتكون عندهم بعد الأجسام المضادة للفيروس .
أما في حالة اكتشاف الاجسام المضادة للفيروس C عند اي مريض فيمكننا اجراء هذا الاختبار HCV RNA PCR لمعرفة اذا كان هناك فيروس في الدم ام لا , حيث انه اذا كان ارتكاس البوليميراز PCR ايجابيا فإن هذا يدل على وجود فيروسية الدم Viremia وقد يكون ايجابيا قبل ظهور الأجسام المضادة وكذلك قبل ارتفاع انزيمات الكبد أو ظهور أية أعراض للمرض .
هذا ويمكن استعمال مقياس PCR للأطفال الرضع حالاً بعد الولادة للتأكد من أو نفي انتقال العدوى من الأم لطفلها الرضيع .
ويعمل العلماء والخبراء في هذا المجال على قدم وساق لاكتشاف أجسام مضادة أكثر نوعية وربما انتجينات ( مستضدات ) , هذا ويمكن استعمال ارتكاس البوليميراز PCR كمقياس ممتاز للعدوى بالفيروس B أو C , و يجب الاشارة الى انه لا يوجد اي تشابه وراثي بين التهاب الكبد نوع C مع التهابات الكبد الأخرى نوع B او D .
طرق العدوى بالفيروس C
طرق العدوى للفيروس C مشابهة لطرق العدوى بالفيروس B , مع العلم ان الأغلبية العظمى من المصابين بهذين الفيروسين B و C والذين قابلتهم خلال السنوات الطويلة الماضية لا يعرفون متى واين ولا كيف اكتسبوا هذا المرض الخطير .
ويمكن نقل العدوى بالطبع عن طريق نقل الدم او مشتقاته ولكن في بعض الحالات تكون العدوى متفرقة بين الناس بدون نقل الدم او مشتقاته انما تكون عن طريق الافرازات الأخرى للجسم او عن طريق الاتصال الحميم المباشر او عن طريق الحلاقة في مكان عام دون استعمال الوسائل الصحية السليمة .
ومن المعروف ان العدوى بفيروس C تنتشر بين :
o المدمنين الذين يشتركون في ابرة واحدة .
o مرضى الهيموفيليا وهم مجموعة من المرضى الذين يحتاجون الى نقل دم متكرر .
o مرضى الغسيل الكلوي .
o المعاشرة الزوجية اذا كان احدهما حاملا للمرض (الاحتمال ضئيل جداً) و لكن ننصح باستعمال العازل اذا كان احد الزوجين حاملاً للفيروس نظراً لعدم وجود تطعيم حتى تاريخ نشر هذا المقال 2013.
o أفراد الأسرة الواحدة اذا لم تراع الوسائل الصحية السليمة والجيدة .
ولذا ففي حالة وجود احد أفراد الأسرة حاملاً للفيروس C فيجب على الآخرين استعمال أدوات الطعام وأدوات الحلاقة وفوط وفرشاة أسنان خاصة بكل فرد من أفراد الأسرة ( اذا كان بالإمكان )
ومن المعروف ايضاً ان العدوى بالفيروس C ممكن حدوثها للطفل حديث الولادة عن طريق الأم , ولكن الاحصائيات أثبتت ان هذا الاحتمال نسبته قليلة .
وبالطبع فكما ذكرنا سابقاً وحيث ان اهم طرق العدوى هي نقل الدم او الأدوات الجراحية أو الابرة الملوثة فإن العدوى قد تحدث أثناء العمل من قبل الجراحين والممرضين والفنيين مع التذكير بأن إمكانية نقل العدوى بهذه الطريقة أثناء العمل هي أقل نسبة من الفيروس B .
وتقول الأبحاث والدراسات أن نسبة نقل العدوى للفيروس C هي أقل من نسبة العدوى بالفيروس B الا انه لا يوجد تفسير واضح جداً لنا , فقد يكون الفيروس C أقل مقاومة للعوامل الخارجية وقد يكون ذلك لأن كمية الفيروس C الموجودة في دم المريض هي كمية صغيرة جداً ( أقل بكثير من كمية الفيروس B في حالة الإصابة به ) لذلك فإن انتقالها من شخص لآخر يتم في نطاق ضيق .
جهاز المناعة لمقاومة الفيروس C
ان جهاز المناعة في جسم الانسان في أغلبية الحالات غير قادر على التخلص من هذا الفيروس لأسباب غير معروفة بشكل جيد ,ولكن يعتقد ان السبب قد يكون وجود عدة أنواع من هذا الفيروس نتيجة لإختلاف العناصر الوراثية له حيث أن الفيروس C يتكون على الأقل من ست تركيبات وراثية مختلفة .
ويعتقد ان هذه التركيبات الوراثية المتنوعة للفيروس C قد تكون السبب في اختلاف الأعراض المرضية عند المصابين بالاضافة الى اختلاف استجابة العديد منهم للعلاج بالانترفيرون , وبالطبع فهو أحد الأسباب المهمة لعدم تمكن العلماء لحد الآن ونحن في عام 2013م من ايجاد تطعيم ضد هذا المرض .
و لأن جهاز المناعة عند الانسان يكون في معظم الحالات غير قادر على القضاء على الفيروس C فإن أكثر من خمسين بالمائة ( 50% ) من الحالات تصبح مزمنة وقد تتحول الى تشمع كبد , وان هذه النسبة قد تصل الى ( 85% ) في بعض المناطق كما تقول بعض الدراسات الحديثة , لهذا فتعتبر قدرة هذا المرض للتحول الى التهاب مزمن من الصفات التي تميز هذا النوع من التهاب الكبد الفيروسي نوع C .
ولهذا فقد تكون القنبلة الصحية التي ستنفجر خلال العقود القليلة القادمة هي اكتشاف عدد كبير من الحالات المزمنة المستعصية والمتقدمة الناتجة عن الفيروس C ومن بينها سيكون العديد من حالات تشمع الكبد وسرطان الكبد ( اذا لم يتم ايجاد حل سريع لهذه المشكلة العويصة).
بقلم : د.نعيم ابونبعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبد