إلتهاب الكبد الفيروسي الألفي (نوع “A”)
بقلم : الدكتور نعيم ابو نبعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبد
يسمى إلتهاب الكبد الفيروسي نوع A بحمى إلتهاب الكبد (HAV) A أو الخمجي أو قصير دورالحضانة .
وهو الالتهاب الاكثر شيوعاً، ولكنه والحمدلله الاقل خطورة وينتهي عادة بالشفاء التام خلال 4-6 أسابيع مع تكوين اجسام مضادة تحمي المريض من العدوى مرة أخرى طوال حياته.
وهو مرض شديد العدوى ويسببه الفيروس الألفي A الذي تم عزله عام 1973م، وينتقل في اغلب الحالات بواسطة الأيدي الملوثة او الطعام او الماء الملوث ببقايا الغائط لشخص مصاب إما بصورة مباشرة او غير مباشرة عبر الفم، ولكن يمكن ان تكون العدوى كذلك بواسطة نقل الدم او الإبر الملوثة، أو نتيجة القيام بعلاقات جنسية شاذة.
التهاب الكبد الالفي منتشر في جميع انحاء العالم ولكن النسبه أعلى بكثير في دول العالم الثالث
وعادة ما يصاب الفيروس A الأطفال من سن 4-14 عاماً مع الإشارة الى إمكانية انتشار العدوى من الأطفال الى البالغين او الكبار في السن. اما في الأردن فالأطفال جميعهم تقريباً يصابون بهذا المرض في وقت ما خلال مرحلة الطفولة ويتم شفائهم بدون أية آثار سلبية، ونادراً ما يكون الإلتهاب شديداً. مع الإشارة الى أننا شاهدنا في السنوات الأخيرة في الاردن زيادة الحالات عند البالغين والذين كانو قد نجو من العدوى في طفولتهم نتيجة تحسن الخدمات الصحية والغذائية والمائية.
ومكان العدوة عادة ما يكون صعب التحديد لأن المريض ينقل العدوى للآخرين في أغلبية الحالات قبل أن تظهر عليه علامات المرض، هذا مع العلم أن المصابون بالفيروس الالفي A الذين لا تظهر عليهم أي علامة للمرض هم الأغلبية العظمى حيث تظهر هذه العلامات في أقل من ثلاثة بالمائة (3%) فقط، وعند ظهورها تكون فترة الحضانة طويلة.
هذا ولقد أجريت دراسات وبائية في مختلف دول العالم حول هذا المرض وتبين أن حوالي (70%) من الناس في العالم الذين تجاوزوا عمر ال (50) سنة قد اصيبوا بهذا الداء وتم شفائهم تماماً بدون معرفتهم. أما اذا ذهبنا الى مناطق وبائية لهذا المرض مثل الهند وافريقيا …الخ، فأننا نجد ان حوالي (95%) من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5-6 سنوات قد أصيبوا بهذا المرض، والأغلبية العظمى كانت الإصابة عندهم بدون اي شكوى ملفتة للنظر.
ولقد لوحظ أخيراً في دراسات وأبحاث عديدة أن رفع مستوى المعيشة والإهتمام الجيد بالنظافة الصحية تخفض نسبة الإصابة المذكورة بشكل ملحوظ حيث ان نسبة انتشار العدوى بالفيروس الألفي A تتناسب عكسيا مع المستوى الإقتصادي والإجتماعي في المجتمع.
الكبد الطبيعي والكبد الملتهب
الظروف المساعدة على انتشار التهاب الكبد الألفي A:
1- السكن المكتظ بالناس حيث لا تراعي الوسائل الصحية الكافية لأن عدم غسل الأيدي بعناية بعد إستعمال المرحاض هي اهم أسباب العدوى حيث يؤدي الى تلويث الغذاء باللمس وهذا ما يحدث عادةً بين الأطفال الفقراء في البيوت المكتظة بالسكان.
2- رداءة الخدمات الصحية العامة.
3- الماء أو الحليب أو الطعام الملوث.
وبالرغم أن التهاب الكبد الوبائي الألفي عادة ما يحدث على شكل حالات فردية إلا أنه يمكن أن يحدث إنتشاراً وبائيا تحت ظروف خاصة فيصيب أعدادا كبيرة من الناس في نفس الوقت. وهذا ما يحدث عند تلوث مصادر المياه ببراز المريض أو عندما يتناول عدد كبير من الناس طعاماً أو لحوما في إحدى المطاعم يقوم أشخاص مصابون بالمرض بإعدادها، وكذلك قد يحدث هذا الإنتشار الوبائي في الأماكن التي تستخدم فيها الافرازات كالسماد للخضار والفواكه. وطريقة أخرى هي أكل الحيوانات المائية والأسماك من مياه ملوثة ببراز وإفرازات مرضى مصابون.
شكل الفيروس نوع A
النذائر الأولى للمرض:
يمكن أن تكون هناك النذائر الأولى مثل: قشعريرة، صداع، تعب عام، انحراف في الصحة وهذه الحالة تسبق أعراض المرض المعروفة ببضعة أيام الى خمسة عشر يوماً.
أعراض الإلتهاب الكبدي الألفي:
بالرغم من أن أغلبية الأطفال المصابون لا يشتكون من أية أعراض وقد تمر حالتهم المرضية وكأنها حالة انفلونزا أو نزلة برد بسيطة مع سيلان أنفي والتهاب في البلعوم تستمر لمدة 24-48 ساعة وتنتهي، الا أن البعض الآخر (ولو كانت نسبتهم ضئيلة) قد تظهر عليهم جميع الأعراض والعلامات المعروفة لإلتهاب الكبد الفيروسي الألفي ونادراً ما يحدث التهاب مستمر مع بقاء الأضداد IgM لمدة سنة كاملة… ولكنه لا يتطور الى الإزمان على الإطلاق ونسبة الوفيات في هذا المرض هي قليلة جداً (أقل من حالة واحدة في كل ألف حالة مدونة).
1- اصفرار في بياض العينين والذي يزداد تديجياً، ويصبح لون الجلد مائلاًً الى الإصفرار بسبب انسداد قنوات الصفراء.
2- تغير لون البول ليصبح داكناً وقد يصبح لونه مقارباً للون الكولا
وعادة ما تكون خطورة المرض أكثر عند المصابين البالغيين أو المسنين حيث تظهر عليهم في أغلب الحالات كامل الأعراض المعروفة مما قد يسبب لهم أزمة صحية حادة وخطيرة أحياناً.
هذا وبشكل عام فإن المريض قد يعاني من بعض أو كل الأعراض التالية:
اليرقان .. اصفرار العينين والجلد هي من العلامات الهامه لألتهاب الكبد
1- نقص الشهية وانخفاض الوزن
2- تعب عام
3- غثيان وقيء
4- ألم ثابت في المنطقة العليا من البطن نتيجة تضخم الكبد الذي يصبح أكثر تحسساً باليد.
5- إرتفاع في درجة الحرارة
6- تغير طعم السجائر عند المدخنين
7- تغير لون البول ليصبح داكناً وقد يصبح لونه مقارباً للون الكولا
8- اصفرار في بياض العينين والذي يزداد تديجياً، ويصبح لون الجلد مائلاًً الى الإصفرار بسبب انسداد قنوات الصفراء.
ومن المعروف أنه وفي ظل الظروف الصحية المتدنية لبعض الجيوش في بعض الحروب فقد أدى هذا المرض الى سقوط أعداداً كبيرة من الجيوش قتلى تفوق الأعداد التي قتلت في ساحة القتال مما كان له أثراً سيئاً جداً في بعض المعارك.
مكان الكبد في جسم الانسان
تشخيص المرض المذكور:
بالإضافة الى ظهور بعض الأعراض سابقة الذكر والى إرتفاع أنزيمات الكبد في الدم فإنه يمكن تشخيص الإصابة بهذا الفيروس عن طريق استخدام ما يعرف (بدلالات الفيروس) مثل الأجسام المضادة Antibody (أضداد الحمه A) والتي يقوم جسم الشخص المصاب بتكوينها عن طريق جهاز المناعة لمقاومة الفيروس والتغلب عليه.
وتظهر الأجسام المضادة للفيروس A مبكراً في سير المرض حيث تكون الأضداد IgM وكذلك IgG موجودة في المصل مباشرة بعد بدء المرض. ويصل عيار الأجسام المادة IgG ذروته بعد شهر واحد من المرض وقد تستمر لسنوات.
دراسه انسجة الكبد تحت المجهر
أما ذروة وجود الأجسام المادة نوع IgM فتحدث خلال الأسبوع الأول من ظهور المرض سريريا ثم تختفي خلال (7-8) أسابيع لذلك فإن عيار الأجسام نوع IgM يعد إختباراً لا بد منه للكشف عن هذا النوع من المرض في المرحلة الحادة ويمكننا إكتشاف هذه الأجسام المضادة بالوسائل العملية ، فاذا كان هذا النوع من الأجسام المضادة IgM سلبياً وكان النوع IgG فقط هو الإيجابي فهذا يعطي الطبيب إنطباعاً بأن حالة الكبد المرضية الحادة الحالية قطعاً ليست ناتجة عن الفيروس الألفي، إنما علينا في هذه الحالة البحث عن أسباب أخرى بعيداً عن التهاب الكبد الألفي. وهذه الأسباب يحتمل أن تكون فيروسات أخرى نوع (E,D,C,B … الخ) أو قد يكون تناول بعض الأدوية هي السبب في المرض. مع العلم بأن إيجابية الأجسام المضادة نوع IgG تعني أن المريض كان قد أصيب بالتهاب الكبد الفيروسي A قبل مدة طويلة وفي هذه الحالة يكون جسمه قد كوًن أجسام مضادة تحميه من المرض طيلة حياته.
تراجع أعراض التهاب الكبد الوبائي (A) :
إن الأعراض السابقة الذكر سوف تتراجع بإذن الله في معظم الحالات خلال فترة تتراوح بين (3-6 أسابيع) ويشفى المريض كليا.
ولكن هناك حالات أخرى من ( 10-15%) قد ينتكس المرض فيها وتعود الأعراض من جديد ولكنها ترجع وتستقر ويشفى المريض كلياً حيث أنه لا يوجد إمكانية لمثل هذا المرض أن يصبح مزمناً.
حالات التهاب الكبد (A) الصاعقة:
قد يظهر التهاب الكبد الفيروسي الألفي – ولسوء الحظ- بشكل قوي جداً محدثاً فشل كبدي حاد وخطير مما قد يسبب موت المريض والذي يحدث عادة خلال الأشهر الأولى من الإصابة ولكن- بفضل الله عز وجل – فإن نسبة هذا التطور الخطير للمرض ضئيلة جداً لا تصل الى حالة واحدة من كل ألف حالة مرضية مدونة وظاهرة.
طرق الوقاية من التهاب الكبد (A) :
يجب أخذ الإحتياطات اللازمة عند وجود مريض في الأسرة يعاني من التهاب كبدي (A)، وبالرغم من أنه ليس بالضروري عزله بشكل صارم إلا أنه يجب إرغام الأطفال وكل المخالطين بالعناية بنظافتهم الشخصية العامة، ونظافة أيديهم، وعدم إستعمال الأدوات والثياب أو السرير الخاص بالمريض.
هذا ومع العلم بأنه الفيروس يكون موجوداً في البراز لحوالي خمسة عشرة يوماً قبل ظهور الأعراض المرضية والصفراء.
نصائح أخرى للوقاية :
قد ينتقل الفيروس بين أفراد الأسرة بسهولة كبيرة لأن معظم الحالات المرضية تظهر على هيئة حالة برد بسيطة أو انفلونزا ويعالج المريض أنذاك على هذا الأساس لأن العائلة وحتى الطبيب قد لا يدركون إصابة الطفل بالتهاب كبدي A وهذا ما يؤدي الى انتقال العدوى الى المخالطين بتلويث طعامهم وشرابهم إذا لم يقم المصاب بغسل يديه جيداً بعد استعمال المرحاض.
ويجب التركيز على والدة الطفل التي تلعب دوراً كبيرا في انتقال العدوى عندما لا تراعي غسل يديها جيداً بعد تغيير حفاظات طفلها المصاب، وتذهب بعدها لتحضير الطعام وبالتالي تنقل العدوى لجميع من تناول الطعام من أشقائه وزملائه.
ويجب أن يتعلم الجميع وبشكل روتيني غسل اليدين بعناية بعد الخروج من المرحاض وقبل الشروع بتناول الطعام. كما يجب الإهتمام بتحسين الظروف المساعدة لإنتشار العدوى وذلك يتحسين الخدمات الصحية العامة وتعقيم المياه خاصة البلدان ذات المخاطر، وتحسين مشاكل السكن المكتظ.
الغلوبولين المناعي:
يعطى الغاماغلوبولين (والذي يحتوي على أجسام مضادة جاهزة ضد الفيروس الألفي) للأشخاص الذين لهم إتصال حميم ومباشر مع مرضى التهاب الكبد الوبائي الألفي. ويفضل إعطاءه خلال الأيام الأولى من التعرض للفيروس. ويعطى كذلك للأشخاص المسافرين الى المناطق الموبوءة.
والجرعة التي ينصح بها هي 0.02 مل/ كغم وتعطى بالعضل، وعادة ما تحمي من الإلتهاب الكبدي A لمدة ثلاثة أشهر. وتعطي الجسم مناعة سريعة جداً. وهي تعطى مع الفاكسين الذي يبدأ مفعوله بعد أيام من اعطائه.
التطعيم ضد التهاب الكبد الوبائي (A) :
توصل الباحثون الى لقاح مضاد لإلتهاب الكبد الألفي وباشرت الكثير من المؤسسات الصحية في بعض الدول الغربية بإستخدامه منذ حوالي 20 عاماً (لكن ضمن إطار محدود). وبالرغم من أن بعض الإختصاصيين يقترحون وضع هذا اللقاح من برامج التلقيح الوطنية للدول…إلا أن البعض الآخر يعارضون هذا الإقتراح نتيجة أن كلفة هذا اللقاح الجديد باهظة جداً اذا تم تطبيقه في البرامج الوطنية، هذا بالإضافة الى أن نسبة الوفيات نتيجة هذا الإلتهاب الفيروسي الألفي هي نسبة ضئيلة جداً جداً، وكذلك فإن هذا المرض لا يتطور الى التهاب مزمن وينتهي عادة بالشفاء التام خلال 4-6 أسابيع.
التطعيم موجود في مختلف المراكز الصحيـه
المرشحون للإستفادة من هذا اللقاح:
نقترح أن يستفيد من هذا اللقاح كل من:
1- المواطنون في المناطق الموبوءه.
2- المسافرون أو السائحون لتلك المناطق الموبوءه.
3- العاملون في بعض المؤسسات الصحية .
4- العاملون في أماكن المياه القذرة.
5- العاملون في مراكز رعياة الأطفال.
6- بعض معسكرات اللاجئين.
7- كل من يتعامل في صناعة الغذاء.
ومن الجدير بالذكر أنه يمكن إجراء تحليل (HA Ab IgG) قبل التلقيح، فإن كان ايجابياً فلا لزوم للتلقيح، لأن الشخص يكون قد أصيب سابقاً بهذا المرض وعنده مقاومة ضده طوال حياته، وأنه في هذه الحالة سوف لا يكتسب المرض مرة أخرى، ولا يمكن أن ينقل المرض لأي إنسان .
هذا وتشير بعض المعلومات إلا أن الجنود الأمريكان اللذين شاركوا في حرب الخليج تم تلقيحهم بهذا اللقاح لوقايتهم من التهاب الكبد الفيروسي الألفي، وعلى ما يبدو فلم يصب أي منهم بالمرض، بعكس الجنود البريطانيين الذين لم يلقحوا ضد المرض المذكور حيث أصيب البعض منهم بهذا الداء.
العلاج:
يكون العلاج بمعالجة الأعراض التي تظهر عند المريض وبإجراء التدابير العامة حيث ينصح بالراحة عندما تكون الأعراض شديدة، ولكن كل حسب حالته وبدون إجبار. وعادة ما تكون العودة الى الحياة الطبيعية بشكل تدريجي.
وأن المرض الحاد الناتج عن فيروس A ينتهي تلقائياً ولا داعي لإعطاء أدوية خاصة أو حمية غذائية خاصة ولكنني أنصح بإعطاء وجبات لذيذة المذاق يستطيع المريض تحملها دون تعب.
وإنني أتفق مع الأستاذ الدكتور علاء الدين طوقان إتفاقاً كاملاً حين أكد في إحدى نشراته حول هذا الموضوع (بأن العلاجات الفلوكلورية مثل السكر والعسل والتعرض للشمس والمأكولات الخالية من الدسم لا تؤثر ولا تؤدي عادة الى إختلاف في المرض الذي يزول تلقائياً إن شاء الله).
وعلى المريض المصاب بالتهاب كبدي حاد أن يتجنب الكحول والعمل الشاق، وعليه عدم تناول الأدوية التي قد تزيد من الضرر بالكبد.
بقلم : الدكتور نعيم ابو نبعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبد