الإمساك قد يخفي وراءه امراضاً خطيرة
بقلم: د.نعيم ابونبعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي و الكبد
الإمساك المزمن هي ظاهرة مرضية وظيفية تتمثل بشعور ذاتي من طرف المريض بأنه يعاني من الإمساك ،وتعريف الإمساك قد يكون صعبا أولا لأنه شعور شخصي ذاتي و ثانيا نتيجة صعوبة الاتفاق على عدد مرات التبرز التي يمكن اعتبارها طبيعية للانسان.
ولكن أغلبية الناس يعتقد أن الإمساك هو عدم التبرز اليومي أو التبرز يوما بعد يوم مع زيادة كثافة وصلابة قوام البراز وصعوبة التبرز.
وكما هو واضح فان الصعوبة في تعريف الامساك تنتج عن تباين عدد مرات التغوط بالإضافة إلى حجمه وقوامه من شخص الى لاخر ومن منطقة لاخرى وذلك نتيجة اختلاف نوعية الغذاء واختلاف العادات العائلية و الاجتماعية ، لهذا نجد أن مرات التغوط قد تكون ثلاث مرات في الأسبوع طبيعية عند شخص بينما نجد أن الطبيعي عند شخص اخر هو التغوط عشرة أو اثني عشرة مرة في الأسبوع .
أما وزن الكتلة البرازية فهو كذلك يختلف عند الشخص الطبيعي من انسان لاخر ويتراوح ما بين 35-200 غم في اليوم الواحد.
هذا ومن الواضح أن شكوى المريض من الامساك تتعلق بموقفه من نموذج التغوط الذي اعتاد عليه، ويلاحظ أن أغلبية الناس الطبيعيين يقومون بعملية الأخراج مرة واحدة يوميا.
و أن شدة الإمساك تتراوح ما بين حالات يمكن علاجها بسهولة و السيطرة عليها كليا ( بواسطة تغيير وجبة الطعام واتباع بعض الإرشادات الأخرى ) وبين حالات أخرى شديدة المقاومة للعلاج الطبي و التي نادرا ما تحتاج لعلاج جراحي .
وبشكل مبسط نقول أن الإمساك هو تغير طبيعة التبرز التي اعتاد عليها الشخص الى مرات أقل أو أن يصبح البراز قاسيا وجافا مع صعوبة في الاخراج مما يجعل المريض يبذل جهدا ويعاني عند التبرز ، ولكن بعض المرضى قد يبالغ في موضوع الإمساك لذلك نقترح أحيانا على المريض عمل جدول يوضح فيه أيام التبرز و عدد مراته خلال فترة معينة.
ويظهر الإمساك نتيجة بطء حركة البراز عبر الأمعاء الغليظة مما يسبب تجمع كميات كبيرة من البراز الجاف و القاسي داخل القولون ،مما يؤدي الى زيادة زمن الامتصاص بسبب بطء الحركة.
ومن الجدير بالذكر أن تماسك البراز يعتمد على كمية الماء الموجودة فيه ، حيث يقدر أن نسبة الماء في البراز الطبيعي تكون (70%) ، أما نسبة الماء في البراز الجامد القاسي فقد تصل إلى أقل من (50%) ، وبطبيعة الحال فان نسبة تماسك البراز عند الناس العاديين تعتمد على الجنس و العمر و الوظيفة ونوعية الطعام وكمية السوائل المتناولة يوميا بالإضافة إلى ظروف وعوامل أخرى كثيرة .
ويعتبر بذل الجهد عند التبرز وصعوبة الخروج الانزعاج الأكثر اهتماما عند المرضى الذين يراجعوننا بسبب الإمساك . و من الواضح أن الناس الطبيعيين عادة ما يكون البراز عندهم طريا وبكميات كبيرة. أما الناس الذين يعانون من الإمساك فيكون البراز بكميات قليلة وقوام قاسي لذلك يبذلون الجهد عند التبرز لمحاولة أخراج أكبر كمية ممكنة ، و أحيانا يناور المريض من أجل أخراج البراز بواسطة أصبعه أو بالضغط على منطقة الحوض …الخ. وقد يشتكي المريض من التبرز المؤلم وبعدم الشعور بالرضى و القناعة بعد التبرز.
أنواع الإمساك:
1-الإمساك الحاد (الظرفي): يكون هذا الإمساك المرحلي خلال فترة زمنية قصيرة ناتج عن وجود بعض الظروف الخاصة مثل تغير مكان الإقامة ، المكوث لفترة طويلة في السرير ،فترة الحمل عند النساء , تناول بعض المواد الغذائية كالشاي والكاكاو ومشتقاته بكميات كبيرة أو تناول بعض أنواع الأدوية .
وهناك حالات مرضية قد تسبب إمساك لفترة من الزمن (خلال الأزمة المرضية) ، ومن بينها : التهاب الجهاز التنفسي ،المغص الكلوي ، البواسير …… الخ .وبزوال المسببات المرحلية المذكورة ينتهي الإمساك ويعود الوضع إلى طبيعته .
تناوال الخضروات هو مهم لعلاج الامساك
2- الإمساك المزمن : وهو الأكثر انتشارا عند النساء والمتقدمين في السن ، وينتج عن عدة عوامل من بينها :
أ-النظام الغذائي الخالي من الألياف
ب- تكرار عدم الاستجابة لرغبة التبرز مرات كثيرة خلال فترات زمنية طويلة
ج- قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة كما يحدث في الإعمال المكتبية
د- نقص في تناول الماء والسوائل
*إنذار هام لمن يعاني من الإمساك:
هناك بعض الملاحظات التي تدعونا إلى إجراء كافة الفحوصات لنستثني سرطان القولون كسبب للاٍمساك ، ومن بين هذه الملاحظات نذكر :
*تقدم عمر المريض.
*المعاناة من الإمساك الشديد دفعة واحدة وبدون سابق إنذار
*ازدياد مفاجئ لاٍمساك مزمن موجود سابقا
*وجود فقر دم غير معروف السبب ،أو وجود دم مع البراز
*تناوب الإمساك مع الإسهال
*وجود أقارب من الدرجة الأولى أصيبوا بسرطان القولون
أسباب الإمساك :
1* النظام الغذائي : هو السبب الأكثر شيوعا وينتج عن خلو الطعام من الألياف الموجودة في الخضروات والفواكه ،وخلوه كذلك من السوائل ومن الخبز الأسمر (بنخالته)،والطعام قليل الألياف يكون قليل الفضلات .
وقد لوحظ إن الإمساك يكون نادرا جدا عند مجموعة الناس التي تتناول كميات كبيرة من الطعام الغني بالألياف ،حيث إن هذه الألياف ونتيجة لامتصاصها للماء الموجود في البراز تساعد على حجز الماء في القولون وتعمل على زيادة كتلة البراز وتصبح طرية وتزيد عدد مرات التبرز وتسرع من مرور الفضلات داخل القولون .
وهناك عامل أخر مهم ويساعد على حدوث الإمساك وهو قلة تناول السوائل وخاصة في فترات الحر الشديد وعند حدوث الجفاف
2.حالات الكسل والخمول :وقد تكون ناتجة من عدم القيام بالحركة اليومية نتيجة العمل في بعض الوظائف المكتبية التي تتطلب الجلوس لفترة طويلة ،وعند المتقدمين في السن قد يكون السبب قصور في آلية الحركة المعوية وبالرغم من أن سبب الإمساك عند بعض الناس قد يكون الخمول في حركة الأمعاء إلا أنه يعتقد أن السبب هو زيادة نشاط عمل الأمعاء مما يؤدي إلى زيادة امتصاص الماء مما يجعل البراز قاسيا وجافا داخل القولون ويصبح هناك صعوبة في الإخراج.
3- الأسباب العضوية في القولون أو الشرج :حيث أن الإمساك يمكن أن يكون أحد الأعراض لإحدى الأمراض التي تحدث انسدادا أو تضيقا في مجرى الأمعاء وبذلك يمنع ويصعب العبور داخل القولون بشكل دائم أو بشكل متقطع ومثالا على ذلك سرطان القولون أو الالتصاقات أو الالتهابات الشديدة بمختلف أنواعها .هذا بالإضافة إلى أن أمراض منطقة الشرج والمستقيم قد تحدث إمساكا نتيجة انسداد في الداخل أو نتيجة الشعور بالألم الشديد أثناء التبرز مما يؤدي إلى تثبيط المنعكس الطبيعي للتغوط.
4- أسباب عضوية خارج القولون ومن أمثلتها:
أ- أمراض الاضطرابات الاستقلابية : مرض السكري ،نقص البوتاسيوم في الدم ،ارتفاع البولة الدموية ،البورفيريا .. الخ
ب- تناول بعض الأدوية مثل المخدرات ، المسكنات ،مضادات الاكتئاب ، مرخيات العضلات مضادات الباركنسونة … الخ
ج- التهابات المسالك البولية والتناسلية ،وجود أورام ، هبوط في عمل الغدة الدرقية … الخ.
5- إضرابات عصبية:مثل أفات الحبل الشوكي ، السكتة الدماغية…الخ.
6- عادات التغوط غير المنتظمة :وذلك بسبب تثبيط المنعكس الطبيعي للتغوط ،فإذا لم يذهب المريض للتغوط ،عند شعوره بالرغبة (وذلك عند وجود منعكسات التغوط) أو إذا استعمل الملينات لمدة طويلة فإنها تأخذ مكان وظيفة الأمعاء الغليظة وبذلك فإن منعكسات التغوط تصبح ضعيفة تدريجيا .
إن عدم الاستجابة للرغبة في التبرز بشكل متكرر (بسبب الانشغال المهني أو نشاطات اخرى) يعتبر اجد الاسباب الهامة للإمساك
7- ظاهرة القولون العصبي: قد يظهر تشنج قسم صغير من القولون ،وحيث أن طبيعة حركة الأمعاء ضعيفة أصلا فإن التشنج ولو كان بسيطا , فإنه يحدث إمساكا شديدا،ولكن في هذه الحالة عادة ما يعقب الإمساك فترات من الإسهال لمدة يوم واحد أو أكثر لتعود الدورة من جديد حيث يتناوب الإمساك والإسهال.
8- أحيانا قد يكون السبب مرض عضوي يجب البحث عنه مثل سرطان القولون ,انسداد معوي التصاقات ,بعض الامراض العصبية و العضوية, بغض امراض الغدد الصماء …الخ.
إن تنظيم أوقات الطعام بالإضافة إلى نوعه ونظام الحياة هي عوامل مهمة في معاونة الفعل المنعكس للأعصاب التي تتحكم في عملية التبرز لحفظ موعدة ثابتا،ولإتمامه كاملا بدون عناء ولا مساعدة
سرطان القولون قد يكون السبب أحيانا للأمساك
أعراض الإمساك :
قد يخفي الإمساك المزمن وراءه حالة مرضية عضوية خطيرة والتي قد تستمر لمدة طويلة قبل أن يتم اكتشافها إذا لم يتم استشارة الطبيب في الوقت المناسب ولكب بشكل عام فالمريض الذي يعاني من الإمساك قد يشتكي من:
آلام في البطن أو الشعور بثقل في البطن
انتفاخ وتمدد في البطن نتيجة تجمع الغازات وهو الذي قد يؤدي إلى الضغط على الحجاب الحاجز فيشعر المريض حينئذ بآلام في منطقة الصدر مما قد يجعله يذهب لأخصائي القلب أولا.
انسمام ذاتي متمثلا بصداع ,شعور بالتعب العام ،غثيان وشعور بالامتلاء التام خاصة بعد تناول الطعام وتنتج هذه الحالة عن الإمساك الشديد والمزمن
التقييم السريري للاٍمساك :
إن التقييم السليم لحالة الإمساك تبدأ بأخذ القصة المرضية بشكل مفصل بالإضافة إلى فحص سريري كامل بدون أن تنسى إجراء فحص عصبي شامل وفحص منطقة الشرج.
هذا ويجب عند تقيم الحالة أن لا ينسى الطبيب البحث عن الحالات النادرة التي قد يكون سبب الإمساك فيها الاضطرابات في عمل بعض الغدد الصماء أو الأمراض الاستقلابية.
كما ويجب تدوين كل الأدوية التي يتناولها المريض حيث أن البعض منها قد يكون السبب في الإمساك . وفي حالة اصطحاب الإمساك بألم أثناء أو بعد الخروج فقد يعزى السبب إلى آفة في فتحة الشرج مثل خراج ، تخثر في البواسير ، أو شقاق في الشرج.
وأنه لمن المهم جدا في العديد من الحالات أن تجري دراسة للقولون وذلك بإجراء أشعة ملونة للقولون أو تنظير كامل للقولون ،وبالطبع فإن التنظير يعطي معلومات أكثر وضوحا من الأشعة بالإضافة إلى إمكانية أخذ عينات من أي مكان يشتبه به.1
العلاج والوقاية من الإمساك:
علاج الإمساك يكون بمعالجة السبب،ولكن أغلبية حالات الإمساك المزمن تكون بدون أي سبب عضوي وتسمى في هذه الحالة بالإمساك المزمن التلقائي الذاتي المجهول السبب (Idiopathic) وفي هذه الحالة يجب البحث عن العوامل المسببة لذلك ومعالجتها مركزين على النقاط التالية:
1- تنظيم وقت الذهاب إلى دورات المياه : فيجب محاولة الالتزام بأوقات معينة ومحددة ويفضل أن تكون صباح كل يوم (في نفس الوقت تقريبا)أو بعد الإفطار ،ويمكن أن تكون بعد تناول كوب من الماء الدافئ (بحرارة الجو)أو عصير البرتقال وبعد القيام بحركات رياضية بسيطة.
ويجب الجلوس مدة من الوقت (في انتظار التبرز) تتراوح ما بين 20-30 دقيقة وبهذه الطريقة نساعد الأمعاء بالتعود على القيام بهذه المهمة في وقت معين يوميا.
تناوال الخضروات هو مهم لعلاج الامساك
ولكن يجب التركيز على أنه إذا وجدت رغبة في التبرز في أي ساعة من اليوم فيجب تلبية ذلك وعدم تأجيلها إلى أي وقت آخر لأن تلبية المنعكس الفيزيولوجي الغائطي في وقته هام جدا لمنع حدوث الامساك
2 . الإكثار من تناول السوائل والماء لأنها تجعل البراز لينا وننصح بشرب كوب من الماء أو عصير البرتقال الطازج قبل الإفطار
3.تنظيم حمية خاصة يكثر فيها الطعام الغني بالألياف.مثل الخضروات والفواكه والخبز الأسمر المحتوي على النخالة،لأن وجود هذه الألياف يساعد على حجز الماء في القولون بالإضافة إلى إفرازه لبعض المواد المنشطة لحركات الأمعاء الغليظة مما يؤدي إلى دفع البراز للأمام. إن التأثير الإيجابي لتناول الأطعمة الغنية بالألياف يتمثل بزيادة عدد مرات ووزن البراز وكذلك سرعة المرور داخل القولون.
إن علاج الإمساك المزمن والبسيط أو المتوسط الحدة بتناول الطعام الغني الألياف والإكثار من تناول السوائل والماء يحتاج إلى خمس أسابيع تقريبا لظهور نتيجة جيدة ، لهذا ينصح بالاستمرار في هذه الطريقة لمدة شهر أو شهرين قبل اعتبارها نتيجة فاشلة.
4.عدم استعمال الملينات أو المسهلات،لأن كثرة استعمالها يزيد من الشكوى حيث تؤدي إلى الضعف التدريجي لمنعكس التغوط .
5. التمرينات الرياضية: إن قيام الشخص بتمرينات رياضية مناسبة أو المشي يساعد على تنشيط حركات الأمعاء والتقليل من الإمساك .
بقلم د.نعيم أبو نبعة
استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد