مرض ركود الصفراء عند السيدة الحامل
Cholestasis of pregnancy
بقلـم د. نعيـم أبو نبعـة
استشاري أمراض الجهاز الهضمي و الكبد
حالة مرضية وراثية عائلية حميدة تعاني منها بعض النساء خلال أشهر الحمل وأهم أعراضها الحكة التي تزداد تدريجيا بدون أي مرض جلدي، وقد تنتهي الحالة بيرقان ( اصفرار في العينين وفي الجلد )، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل و تختفي بعد الولادة بساعات او أيام وفي معظم الحالات لا تؤثر سلباً على الأم ولا على الجنين .
هذه الحكة عادة ما تبدأ في راحة اليدين و القدمين لتمتد الى الذراعين و الرقبة و الوجه و في حوالي %70 من حالات هذا المرض تظهر الحكة فقط خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، ويكون البول غامق و البراز شاحب اللون.
وبالرغم من كون مرض ركود الصفراء عند السيدة الحامل حالة حميدة ( حيث تبقى صحة الأم جيدة و لا تـعانـي من آلام و لا يوجد تضخم في الكبد و لا في الطحال ) إلا أننا قد نشاهد أحياناً معاناة للجنين أثناء الحمل و يكون ذلك بسبب دخول الأملاح الصفراوية الى المشيمة…… و كذلك قد تـعانـي الحامل في بعض الحالات من نزيف شديد بعد الولادة و يكون سببه نقص في الفيتامين K .
حيث من المعلوم ان الكبد يقوم بإفراز دائم للإفرازات والأملاح الصفراوية التي تصل عن طريق القنوات الصفراوية الى الأمعاء الدقيقة، و هذه الأملاح الصفراوية لها أهمية كبيرة في امتصاص الفيتامين K ، وهنالك عدة عوامل تخـثر تعتمد في تكوينها على الفيتامين K وهي عوامل التخثر الثاني والسابع و التاسع والعاشر.
لذلك في حالة وجود مرض الركود الصفراوي تقل كمية الإفرازات الصفراوية التي تصل الى الأمعاء و هذا يؤدي الى نقص في كمية امتصاص الفيتامين K مما يؤثر سلباً على إنتاج عوامل التخثر التي تعتمد على الفيتامين K، مما قد يؤدي الى ظهور فرفريه و كدمات Ecchymoses اما عفوية او نتيجة تحريض وقد يظهر دمه او ورم دموي Haematomas في أماكن بزل Puncture الشرايين او الأوردة ( في أماكن غز الإبر ) او بعد حدوث أي رضة عارضة او جرح مهما كان صغيراً، و قد تعاني الحامل من نزيف شديد بعد الولادة.
ومن المعروف للأطباء ان قياس ( اختبار ) زمن البروترمبين Prothrombin time هو أفضل اختبار و طريقة لمعرفة مدى نقص عوامل التخثر.
أسباب ركود الصفراء عند الحامل :
لا يوجد سبب معروف لحدوث هذه الحالة المرضية عند بعض النساء الحوامل و لكن على ما يبدوا فأن هناك أكثر من عامل يلعب دوراً في حدوث هذا المرض الوراثي العائلي …
قد تظهر الأعراض نتيجة حساسية خاصة لخلايا الكبد على الاستروجين او لأن السيدة قد تناولت حبوب منع الحمل الاسترويدية ( Steroids Contraceptives ) ، و من المعروف ان مرض ركود الصفراء عند الحامل له قابلية للظهور مرة أخرى عند كل حمل.
تشخيص مرض ركود الصفراء عند الحامل:
يتم الاشتباه بوجود هذه الحالة عندما تعانـي سيدة حامل من حكة في جسمها و نجد عند تحليل الدم علامات ركود صفراوي متمثلة بزيادة البيليروبيين و ارتفاع في نسبة الفوسفاتيز القلوية و الكوليسترول و دهون الدم الأخرى ، وعند فحص المريضة سريرياً نجد ان حالتها الصحية العامة جيدة، ولا تعانـي من سخونة أو مغص مراري.
و الحقيقة ان تشخيص هذه الحالة عند السيدة الحامل لأول مرة قد يكون صعباً لهذا يجب استـثـناء التهابات الكبد الفيروسية و الأمراض الأخرى التي تسبب الأعراض المشابـهة، و يجب إجراء أشعة تلفزيونية ( الالتراساوند ) لاستـثـناء وجود حصوات في كيس المرارة او في القنوات الصفراوية الأخرى في الكبد.
هذا وان استمرار الحكة لأسابيع بعد الولادة مع استمرار ارتفاع الفوسفاتيز القلوية في الدم يجعل عمل خزعة في الكبد إجباري لاستـثـناء مرض تشمع الكبد الصفراوي الأولي بالإضافة الى اجراء فحوصات دم أخرى مثل البحث عن الأجسام المضادة للميتـوكندريـا Mitocondrial Antibody Serum ، و في حالة وجود هذا المرض فإن خزعة الكبد تبين وجود ركود صفراوي معتدل ولكن بدون علامات التهابية و بدون تغيـير في هندسة الكبد.
علاج مرض ركود الصفراء عند الحامل:
· الراحة النفسية و الجسدية و تناول وجبات طعام قليلة الدهنيات.
· إعطاء فيتامين ” K ” في العضل لعلاج نقص هذا الفيتامين.
· استعمال دواء الكولستيرامين ( Cholestiramine ) عن طريق الفم من 12 – 6 غرام يومياً والذي يعتبر دواء فعال ضد الحكة و لكن بدون اختفاء علامات المرض في الدم.
· استعمال دواء (Ursodeoxicolic Acid ) بجرعة غرام واحد يومياً عن طريق الفم ويؤدي خلال أسبوعين لثلاثة أسـابيع الى تخفيض شديـد للحكة و كذلك يُحَسن علامات المرض في الدم، و استعمـال الدواء يسمح بالاستمـرار في الحمل حتى نـهايتـه بدون أي آثـار جانبية علـى الأُم و الجـنين، و العلاج الأخير يعتبر حالياً أفضل علاج للركود الصفراوي أثناء الحمل وخاصة اذا ظهر المرض قبل الأسبوع الثاني و الثلاثين من الحمل.
وعلى العموم يُستحسن ان تبقى السيدة التي تعانـي من هذه الحالة المرضية تحت المراقبة لها ولجنينها و اذا ظهرت علامات معاناة للجنين فقد يقرر ( اذا كان عمر الجنين يسمح بذلك ) الإسراع بالولادة لإنـهاء الحمل وإنقاذ حياة الجنين، اما بالولادة الطبيعية او باستعمال أدوية تعجل الولادة او بعملية قيصرية مع ان حيـاة الجنين بعد الولادة تعتمد على عمـره أثناء الحمل و على العنايـة الحثيثة بعد الولادة، هذا وان حالـة الأم السالفة الذكـر لا تتعارض مع الرضاعة الطبيعية. و والله أعلم
بقلـم د. نعيـم أبـو نبعـة
استشاري أمراض الجهاز الهضمي و الكبد