أهمية الكبد في جسم الإنسان
بقلم د. نعيم ابو نبعه
إستشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد
يعتبر الكبد من أكبر الأعضاء داخل جسم الانسان وله أهميه كبيره جدا فهو الذي يقوم بتصفية الدم، وهو عضو التصنيع الرئيسي ويمكن تلخيص وظائفه بما يلي:
الوظيفة الأولى :
إعادة تركيب المواد الكيميائية البسيطة التي تصل الى الكبد قادمة من الجهاز الهضمي بعد امتصاصها، فيعيد تركيبها من جديد الى أشكال أخرى يكون الجسم بحاجة لها.
وهذا الدور يقوم به الكبد على المواد الغذائية سواء كانت بروتينات، دهنيات أو كربوهيدرات.
وفي حالة التهابات الكبد المزمنة أو التليف أو التشمع ، لا يستطيع الكبد القيام ببعض هذه المهام لذلك تبدأ الأعراض بالظهور … ومثالاً على ذلك فالأحماض الأمينية التي تصل الى الكبد قادمة من القناة الهضمية (وأصلها من البروتينات) تتشكل من جديد داخل الكبد لتغطي احتياجات الجسم من بروتينات الدم وبروتينات الأنسجة ، وفي حالة المرض تنقص هذه العناصر فيبدأ المريض وبشكل تدريجي بالشعور بالتعب العام ونقص الوزن، وتتأثر العضلات التي تصاب بالضمور تدريجياً.
الوظيفة الثانية :
التصنيع، حيث يقوم الكبد بتصنيع مواد هامة جداً للحياة ومثال على ذلك :
1- انتاج البروتين الذي يلعب دوراً هاماً جداً في الجهاز المناعي.
2- انتاج بعض الهرمونات .
3- انتاج الغلوبين الذي يحمل الأكسجين .
4- انتاج الكوليسترول ومواد أخرى.
5- انتاج الفيبرينوجين Fibrinogen والبروترومبين والعامل V والعامل VII وهي عوامل تخثر الدم
6- انتاج مادة الهيبارين المضادة للتخثر بالإضافة الى مضاد الثرومبين المسمى Antithrombin ومثيلاته التي تساعد على حفظ ميوعة الدم.
7- في الجنين : يقوم الكبد بإنتاج كريات الدم الحمراء.
وفي حالة تشمع الكبد أو التهابات الكبد المزمنة مع وجود فشل كبدي فإن تصنيع كل هذه المواد المذكورة سابقاً سوف يتأثر كثيراً، لهذا قد يبدأ المريض بالشكوى من الأعراض المترتبة على ذلك ، فمثلاً ونتيجة نقص تصنيع عوامل تجلط الدم فإن المريض أحيانا يعاني من ظهور بقع زرقاء تحت الجلد او نزيف دموي من الأنف ، او حتى نزيف دموي هضمي علوي أوسفلي .. وفي بعض الحالات النادرة قد يتوفى المريض نتيجة نزيف دموي في الدماغ ( مثلاً) .
الوظيفة الثالثة _ التخزين:
حيث يقوم الكبد بتخزين بعض المواد لإستعمالها عند الضرورة ومثال على ذلك الغلوكوز ( الذي لا يحتاجه الجسم بشكل عاجل) يقوم الكبد بتخزينه كمادة تعرف بالجليكوجين، ولكنه يفرزه عند اللزوم، ومن هنا يلعب الكبد دوراً هاماً في ضبط مستوى السكر في الدم.
كما ويدخر الكبد فيتامين “A” وفيتامين “B” بجميع انواعه وبخاصة B12 وكذلك يدخر البوتاسيوم والمانغانيز والحديد والنحاس والزنك والكوبالت.
تخزين الحديد:
فبالإضافة الى مخزون الحديد الموجود في كريات الدم الحمراء هناك مخزون آخر في الكبد على شكل الفريتينFerritin وفي حالة وجود كميات زائدة من الحديد في الدم يقوم الأبوفيريتين (Apoferritin) (وهي بروتينات موجودة بكميات كبيرة في الخلايا الكبدية) بالإتحاد مع الحديد وتشكيل الفريتين Ferritin الذي يتخزن في الكبد لحين إحتياج الجسم لذلك.
الوظيفة الرابعة _ التأثير على الأدوية التي يتناولها الإنسان:
الكبد عادة يقوم بإجراء تغييرات هامة في تركيب الأدوية ليجعلها ملائمة للغرض الذي تناوله الشخص لأجله ، كما يقوم الكبد بالتخلص من يقايا الأدوية: لهذا فعندما يمرض الكبد فإن تأثير الأدوية سيكون مختلفاً في بعض الحالات فقد لا يستطيع الكبد القيام بالتغيرات الضرورية حتى تصبح مناسبة له مما يجعل هذه الأدوية عديمة المنفعة.
وقد لا يستطيع الكبد التخلص من بقايا بعض الأدوية فتتراكم هذه البقايا داخل الجسم مما يؤدي الى مشاكل صحية عديدة. ومن المعروف أن جسم الإنسان يتخلص من بقايا الأدوية عن طريق الكبد أو عن طريق الكلى.
ويجب التذكير في حالة مرض الكبد بأن ينصح دائماً بعدم إختيار الأدوية التي يتخلص منها الجسم عن طريق الكبد ويفضل في هذه الحالة إختيار الأدوية التي يتخلص منها الجسم عن طريق الكلى.
ومن الأدوية التي يفرزها الكبد الى الصفراء : بنسلين Penicillin اريترومايسين Erythromycin ، سلفاناميد Sulfanamide والإمبيسلين Ampicillin.
الوظيفة الخامسة _ إفراز مادة الصفراء:
يقوم الكبد وبشكل مستمر بإفراز مادة الصفراء المميزة لمرضى اليرقان والتي تفرز الى القنوات الصفراوية وتختزن في كيس صغير إجاصي الشكل يقع تحت الكبد مباشرة ويسمى كيس المرارة والذي يتسع لحوالي (50سم)3.
ويقوم الجسم بإفراغ محتويات هذا الكيس عند وجود محرضات لإفراغه ويعتبر المحرض الرئيسي هو وجود الدسم في الأمعاء الدقيقة، ويستغل الكبد فرصة افراز مادة الصفراء للتخلص من بعض السموم مثل الزئبق فيطرحها مع الصفراء ، أو للتخلص من بعض الجراثيم كجراثيم الحمى التيفية.
ومن المعروف أن هذه المادة الصفراوية هي التي تعطي (الخروج) البراز لونه المميز. وفي حالة التهابات الكبد تنتكس وتتأثر عملية افراز الصفراء التي تبدأ بالتجمع تحت الجلد لتعطيه اللون الأصفر الخاص باليرقان كما تتجمع في بياض العينين.
كما ويتأثر لون الخروج (البراز) ليصبح مائلاً الى البياض نتيجة عدم أو قلة مادة الصفراء في الأمعاء.
ومن الجدير بالذكر أن خلايا كوبفر في الكبد هي المسؤولة عن صناعة الأصبغة الصفراوية من هيموغلوبين الدم، وان الأصبغة لها فعل مضاد للجراثيم.
تقلص الكيس المراري:
يقوم الكبد بإفراز مادة الصفراء نقطة نقطة الى القنوات الصفراوية و تتجمع أخيراَ تدريجياُ في كيس المرارة. وعند وصول المواد البروتينية والدهنية الى الإثني عشر يتولد هرمون الكوليسيستوكينين (Cholecystokinin) من الغشاء المخاطي للأمعاء والذي يتم امتصاصه ويتسرب للدم ومنه الى المرارة وهذا ما يؤدي الى تقلصها.
دورة الأملاح الصفراوية:
إن الكبد غير قادر على افراز الكميات المطلوبة من المادة الصفراوية للهضم لذلك فإن معظم الأملاح الصفراوية الموجودة في الأمعاء يتم امتصاصها من جديد في منطقة الدقاق ومن ثم تذهب الى الكبد ويعاد إفرازها من جديد الى القنوات الصفراوية، وهكذا مرات ومرات ، وتقوم الإفرازات الصفراوية بعملها في هضم المواد الدهنية .
هذا ويقدر عدد المرات لدوران الأملاح الصفراوية بحوالي ( 18 مرة أو اكثر) قبل أن يتم التخلص منها مع الغائط.
ويجب العلم بأن هذه الدورة ضرورية جداً للحفاظ على استمرارية إفراز المادة الصفراوية بشكل يومي حيث أن الكبد غير قادر على تأمين هذه الكميات الكبيرة بشكل يومي.
ملاحظة: إن الكبد هو العضو الذي لا يرتاح أبداً فهو الذي ينتج البروتينات والكولسترول ، ويزيل السموم، ويخزن مواد كثيرة من بينها السكريات والفيتامينات … الخ . وفي حالة التهابه أو مرضه فقد يشفى المريض، ولكن هناك حالات أخرى يستمر المرض وقد تتحول حالته الى تليف في الكبد الذي قد يؤدي في بعض الحالات الى حدوث فشل كامل في الكبد وقد ينتهي بوفاة المريض.
ونتيجة للأهمية القصوى للكبد ولأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بدونه فقد أدى ذلك الى ولادة فرع جديد تماماً في الطب هو فرع أمراض الكبد وهذا ما يجعل بعض المستشفيات الجامعية العريقة تقوم بإنشاء قسم خاص ومستقل لأمراض الكبد وهذا ما نجده مثلاً في المستشفى الجامعي في مدينة برشلونة_ إسبانيا بسعة ألف ومائة سرير ( وهو المستشفى الذي كان لي الشرف الإنتماء اليه وبالحصول على شهادة التخصص منه عام 1981م) ، فبالإضافة الى أقسام المستشفى العديدة والمتنوعة والواسعة وبالإضافة الى قسم كبير لأمراض الجهاز الهضمي فقد أنشأ هذا المستشفى الجامعي في برشلونة ومنذ أكثر من خمسة وثلاثون عاماً قسم خاص بأمراض الكبد يضم خمسة واربعون سريراً مع وجود قسم للعناية المركزة خاصة بأمراض الكبد فقط.
بقلم د. نعيم ابو نبعه
إستشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد