الصيـــــــام علاج لبعـض الامـراض الهضميــة
الدكتـور نعيـم ابـو نبــعة
استشاري امراض الجهاز الهضمي والكبـد
يعتبر الصيام مدرسة من مدارس الصبر والتحمل و ضبط النفس و فوائده عظيمة و متنوعة بعضها نفسية و البعض الآخر جسدية وقد يتساءل البعض عن علاقة الصيام بالجهاز الهضمي وهل هناك فوائد تعود على هذا الجهاز المعني اكثر من سواه بالطعام نظراً لامتناع الصائم عن تناول الطعام طيلة النهار و التعويض وقت الافطار، مما يؤدي عند البعض الى التخمـة وتلبك المعـدة و حالة من الكسل التي قد تصيب بعـض الصائمين و خـاصـة الذيـن لا يـؤدون الصـلاة و تحديـداً صـلاة التراويـح، او اولائك الذين لا يجيـدون التعامـل مـع طعامهم.
هل للصيام فوائد على الجهاز الهضمــي:
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( صوموا تصحوا )، و الحقيقة ان للصيام فوائد عظيمة و متنوعة… فالصيام يريح الجسم بشكل عام و يريح الجهاز الهضمي بشكل خاص فيساعد عل التقليل من الاضطرابات الهضمية و التقليل من الغازات، كما ان الصيام يساعد على التئام بعض الجروح الصغيرة في المعدة و الامعاء الدقيقة.
كما يريح الصيام العديد من الغدد ومن بينها غدة البنكرياس… ومثالاً على ذلك فانه في حالة التهاب البنكرياس الحاد والشديد فان الخطوة الاولى التي نقوم بها ( بالاضافة الى الاجراءات العلاجية الاخرى ) هو منـع المريـض مـن الاكل و الشـرب لمدة قد تتراوح مـا بين 24 – 48 سـاعـة او اكثر لكي يستريح البنكرياس.
يعتقـد النـاس ان الصيام يكون علاجاً لحالات مرضية في الجهاز الهضمي فمـا دقـة هـذا الكـلام:
نعم، فصيام رمضان قد يكون علاجاً لبعض الامراض الهضمية ومن بينها:
مرض عسر الهضم بدون وجود قرحة هضمية مرافقة… فلقد لوحظ ان العديد من المرضى تتحسن اعراضهم بصوم رمضان… ولكننا ننصحهم دائماً بعدم الاكثار من الطعام عند الافطار و بتجنب الاطعمة الدسمة و الحلويات الكثيرة.
2. مرض التشحم الكبدي… فمن خلال خبرتنا عبر السنوات الطويلة الماضية وجدنا ان بعض المرضى الذين كانوا يراجعون العيادة او المستشفى نتيجة اعراض ارتفاع انزيمات الكبد الناتج عن التشحم الكبدي… تحسنت اعراضهم بعد صوم رمضان و البعض الآخر تحسنت انزيمات الكبد عندهم بشكل واضح.
3. مرض السمنة وما يرافقه من مضاعفات ومشاكل… فالعديد ممن يعانون من السمنة قد يستغلون شهر رمضان المبارك من اجل التخفيف من وزنهم و البعض ينجح في ذلك ويستطيع التخلص من بعض مضاعفات واعراض السمنة.
4. مرض الارتداد المعدي المريئي ( ارتداد حامض ومحتويات المعدة ومحتوياتها نحو المريء) : السبب الرئيسي لهذا المرض الشائع هو ارتخاء صمام المريء السفلي مما يسهل رجوع حامض ومحتويات المعدة الى المريء مسبباً بذلك التهاباً حاداً فيه، واستمرار هذه الحالة المرضية سوف ينتهي بالتهابات مزمنة و تقرحات في اسفل المريء و قد يحدث تليف و تضيق في تلك المنطقة، وبعد مرورسنوات طويلة قد يحدث ( احياناً ) تغيير في نوعية خلايا المريء مما قد يمهد الطريق لحدوث تغييرات سرطانية فيــه.
وبلا شك فان هناك عدةعوامل تساعد على زيادة الاعراض و زيادة المشاكل عند مريض الارتداد المعدي المريئي من بينهــا:
0 التــــــــدخين.
0 تناول بعض انواع الادوية.
0 نوعية الطعام خاصة اذا اشتملت على الدهون و البهارات و الشطة و المخللات.
0 حجـم الوجبـة: حيث تلعب حجم الوجبة – وليس مكوناتها فقط – دوراً هاماً في حدوث الاعراض حيث ان الوجبات الكبيرة الحجم تزيد الضغط داخل المعدة مما يساعد على حدوث الارتداد المعدي المريئي بسهولة كبيرة خاصة اذا كان هناك ارتخاء في صمام المريء السفلي.
ويعتبر الصيام فترة هدوء وراحة تامة لهؤلاء المرضى فخلال ساعات الصيام تكون المعدة فارغة من الطعام لذلك يقل الضغط داخل المعدة و تقل افرازاتها الحامضية لذلك لا يشكو المريض من أية اعراض خلال ساعات الصيام.
ومن الجدير بالذكر اننا ننصح هذا النوع من المرضى بعدم الافراط في تناول الطعام عند الافطار ويمكن ان يقسم الصائم وجباته على النحو التالي:
· وجبة خفيفة عند الافطار و بعدها يصلي المغرب.
· بعد ربع ساعة من الصلاة يتناول وجبة خفيفة اخرى ثم يصلي العشاء و التراويح.
· بعد ربع ساعة اخرى من الصلاة يتناول وجبة خفيفة اخرى…….
ويمكـن تكـرار هـذه الوجبـات الصغـيرة حسب الحاجـة و الشعـور بالـجوع.
· امـا السحـور فيجب ان يكون من الوجبات الخفيفة المعتدلـةايضـاً.
اما من حيـث نوعيـة طعـام هـؤلاء المرضـى فيجـب ان يراعـوا التالــي:
· تجنب البهارات و المخللات والشطة و الحلويات الكثيرة.
· تجنب الطعام المقلي لانه يزيد من اعراض الارتداد و الشعور بالحموضة الزائدة.
· الابتعاد عن الدهون بشكل عام لأنها تبطئ من هضم الطعام و تفريغ المعدة الى الأمعاء، فهي بحاجة لوقت اطول من اجل هضمها داخل المعدة وان زيادة فترة مكوثها داخل المعدة بالاضافة الى تأثيرها السلبي على مسار المريء السفلي يساعد على حدوث الارتداد و الاعراض، اما الطعام القليل الدسم يهضم بشكل اسهل واسرع.
5. التقليل من اعراض القولون العصبي و التوتر النفسي: ان الصيام يريح الجسم بشكل عام ويريح الجهاز الهضمي بشكل خاص ويقلل من الغازات ولقد لوحظ تحسن الكثيرمن مرضى القولون العصبي خلال شهر رمضان المبارك.
6. الراحة النفسية و راحة الاعصاب: ان انفعال بعض الصائمين واحياناً الحساسية المفرطة للبعض منهم في شهر رمضان المبارك ليس له علاقة مع الصيام وربما الازمات التي تحدث في بعض الطرق وفي الأسواق هي من العوامل المساعدة على حدوث التوتر فكما يقول الصحفي ايهاب مجاهد في احدى تحقيقاته: ( ربـما يكون ضيق الوقت و الازمات التي نشاهدها على الطرق في الاسواق هي السبب في التوتر و انفعال بعض الصائمين في هذا الشهر الفضيل وخاصة ان جميع المواطنين و الموظفين و الطلبة يغادرون مؤسساتهم في وقت واحد و عليهم التواجد في منازلهم قبل اذان المغرب ليفطروا مع عائلاتهم ).
وان الصوم بحد ذاته لا يؤثر على سلوك الصائم الا بالخير والهدوء و الراحة الجسمية و النفسية ويريح الأعصاب ولا يثيرهــا.
ويقول البعض ان نقص مستوى السكر في الدم هو السبب في النرفزة لكن هذا ليس صحيحاً لان الإنخفـاض يحدث فقـط في الايـام الاولى و بعـد ذلك يتـم تأقلــم جسم الصائـم علـى هـذا الانخفـاض.
ومن الملاحظ ان بعض الصائمين قد يشعرون بانه ينقصهم شيء، خاصةً المدخنين والمدمنين على شرب القهوة و الشاي مما قد يؤدي عند البعض منهم الى انفعالات او شعور بالضيق و الذي ينتهي تماماً عند التأقلم على الصيام خلال ايام قليلة، ولكن البعض الآخر قد يظهر انه متضايق كي يشعر من حوله انه صــائم.
7. التقليل من تأثير التدخين السيء على الجهاز الهضمي….فبالرغم من معرفة الجميع لاضرار التدخين كسبب رئيسي لامراض الرئتين و السرطان فانه كذلك يؤثر سلباً على الجهاز الهضمي حيث يساعد على ارتخاء صمام الفؤاد ( الموجود بين المريء و المعدة ) مما يسبب التهاباً في الجزأ السفلي للمريء نتيجة لتأثير الافرازات الهضمية الراجعة من المعدة للمريء.
كما قد يسبب التدخين ارتخاء صمام البواب ( الموجود بين المعدة و الاثنى عشر ) مما يساهم في رجوع افرازات الاثنى عشر الى المعدة، كما يؤثر التدخين سلباً على البنكرياس.
لــذا و بما ان الصائم يمتنع عن التدخين ساعات طويلة في اليوم الواحد فسوف تقل تلك المشاكل الصحيـة الناتجة عن التدخين ناهيك عن ان البعض ( من الاذكياء ) قد يستغل شهر رمضان المبارك للإقلاع عن التدخين بشكل نهائي.
متـى يسمح لمريـض الجهاز الهضمي بالافطـار في رمضـان:
الحقيقة ان هذا الموضوع يختلف من مريض لآخر ومن حالة مرضية لأخرى…. و يعود الى تقدير الطبيب المعالج، و دائماً و ابداً يجب استشارة الطبيب في هذا الموضوع ولكن بشكل عام ومختصر يمكن ان نتعرض الى بعض الحالات المرضية على سبيل المثال:
· مرضى القرحةالهضميـة… فالصـوم او الترخيص بالافطـار يعتمد علـى نـوع القرحة الـتي يعـاني منهـا المريـض:
0 المريض الذي يعاني من القرحة الهضمية المزمنـة: يستطيع الصيام بشرط ان يتناول الادوية المثبطة لإفرازات المعدة عند السحور و عند الافطار.
0 المريض الذي يعاني من قرحة حادة و الذي يشكو في هذه الحالة من آلام شديدة عند الجوع او الم في منتصف الليل يوقظه من النوم…الخ، فهذا المريض عليه الافطار و عدم الصوم و كذلك في حالة حدوث انتكاسة لقرحة مزمنة او وجود مضاعفات للقرحة مثل النـزيف الدموي او في حالة عدم التئامها بالرغم من استمرار العلاج الدوائي…ففي هذه الحالات على المريض الافطار وعــدم الصيــام.
· مرض الاسهـال… ينصح مريض الاسهال بالافطار و عدم الصيام خلال فترة اسهاله و خاصة اذا كان الاسهال شديداً لان المريض في هذه الحالة يكون بحاجة الى تعويض الاملاح و السوائل التي يفقدها مع الاسهال.. خوفـاً عليه من الجفاف.
· مرض التهاب الكبد الفيروسي… في حالة الالتهاب الحاد و الذي يرافقه ارتفاع كبير في انزيمات الكبد و شعور بالتعب العام والارهاق و اليرقان… الخ فعلى المريض الافطار و عدم الصيام الى ان تتحسن حالته.
ونفس الشيء في حالة التهابات الكبدالمزمنة المتقدمة مع تشمع الكبد يجب الافطار؛اما في حالات التهابات الكبد المزمنة المستقرة فيمكن للمريض الصيام بدون اي مشكلة … و لكن يجب دائماً و ابداً في موضوع الصيام استشارة الطبيب المعالــج.
واللـه اعلـــم
بقلم الدكتـــور نعيـــــم أبــــــو نبعــــــــــة
استشــــــاري أمراض الجهــــاز الهضمــــــي و الكبــــد