مرض كرون أو التهاب الأمعاء المنطقي المزمن
Crohn’s Disease
بقلم د. نعيم ابو نبعه
إستشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد
مرض كرون هو نادر الحدوث، نشاهده في بلادنا بين الحين والآخر وقد يتردد بشكل عائلي… ويصاب الجنسين بنفس النسبة تقريباً، وهو التهاب مزمن قد يصيب أي جزء من القناة الهضمية من الفم حتى الشرج ويعتبر الجزء اللفائفي من الأمعاء الدقيقه وخاصة الجزء الأخير منه المكان الرئيسي للإصابة إما بمفرده أو مع إصابة أجزاء أخرى مثل القولون أو الصائم، ويتميز هذا المرض بأنه يصيب منطقة ويقفز عن أخرى ليصيب المنطقة التي تليها.
وعندما تكون الإصابة منعزلة في القولون يكون مكانها في القولون الأسفل (المستقيم أو القولون السجمي) أكثر من كونها في منطقة الأعوري أو القولون الصاعد .
ويميل الإلتهاب أن يكون شاملاً لجدار الأمعاء لذالك نجد تثخن واضح في الطبقة تحت المخاطية ….ومن المعروف أن مرض كرون يعتبر من أمراض المناعة الذاتية مشابه لالتهاب القولون التقرحي، والبحث عن طبيعة المرض يبين وجود أجسام مضادة ذاتية والتي من المحتمل أن تكون علامات سيرولوجية لأنواع خاصة من المرض.. ولكن منفعتها قليلة للطبيب في عمله اليومي.
و يعرف بالتحديد ما هو الأنتجين الذي تتعرف عليه هذه الأجسام المضادة الذاتية الكثيرة والمتعددة والتي تعطي الإنطباع بأن هناك أنواعاً لمرض كرون … ومن الجدير بالذكر أنه لم يلاحظ وجود أي علاقة ما بين الجسم المضاد ونشاط المرض أو مكان تواجده في القناة الهضمية أو فترة مكوث المرض أو نوعية العلاج … لذلك لا يعتبر اكتشاف نوع الجسم المضاد ذا قيمة من أجل التشخيص أو العلاج.
ومن الواضح أن العوامل المؤثره في مرض كرون هي عديده حيث تؤثر فيه عوامل بيئية وعوامل جينية خاصة بالمريض وهذا ما يحدد ليس فقط الإستعداد للمرض إنما كذلك شدة المرض.
العوامل البيئية :
نسبة حدوث هذا المرض وانتشاره تختلف من منطقة لأخرى ومن قارة لأخرى، فإذا أخذنا مثالاً القارة الأوروبية فلقد بينت دراسة قامت بها عدة مراكز أوروبية في وقت واحد أن النسبة في أوروبا هي حوالي مريض واحد لكل عشرة آلاف مواطن وبينت الدراسة أن النسبة تزداد في مناطق الشمال وتقل في الجنوب ….
أما في بلادنا فلا توجد إحصائيات دقيقة ولكننا نشاهد بين الحين والآخر حالات هنا وهناك ومعظمهم في سن الشباب ….
وهناك ممن يعتقد أن هناك عدة عوامل لها دور وتأثير في إزدياد نسبة هذا المرض من بينها مناخ المنطقة، وجبة الطعام، ، بالإضافة الى عوامل أخرى مثل التدخين ، تناول حبوب منع الحمل، استعمال السكر المكرر (المصفى)، التهابات في الطفولة، وأخيرا وليس آخراً استعمال بعض المضادرات الحيوية …والإرتباط الأكثر أهميه من كل العوامل المذكورة سابقاً هو ا الصلة بين التدخين ومرض كرون، أما العوامل الأخرى المذكورة سابقاً والتي يعتقد أن لها علاقة مع مرض كرون ومرض التهاب القولون التقرحي فهي بحاجة الى إعادة تقييم من اجل معرفة قوة الصلة من عدمها.
وهناك بعض البيانات الوبائية الحديثة التي تتحدث عن فيروس الحصبة فتقول إن هذا الفيروس قد يبقى في جدار الأمعاء… وتشير الى أن الإصابة بالحصبة في فترة الطفولة المبكرة يمكن أن تعتبر أحد العوامل في تكوين مرض كرون في فترة متأخرة من الحياة وهناك دراسات لمعرفة دور زمرة الجراثيم المعوية في تثبيط التمنيع الذاتي ( Auto immune).
تأثير التدخين على مرضى كرونز.:
يعتبر التدخين من العوامل الضاره للمريض الذي يعاني من مرض كرونز حيث تبين أن السيطره على المرض تكون أكثر صعوبه عند المدخنين كما ان المضاعفات مثل الخراج والناسور تتواجد بحديه وبنسبه اكثر عند المدخنين…. كما أن نسبه حدوث انتكاسه بعد هدوء المرض هي أعلى عند المدخنين.
أما في علاج المرض فان المدخن يحتاج الى الدواء الأكثر قوه (وهذا الدواء القوي بدوره قد يكون له آثار جانبيه كبيره ).. وامكانيه فشل العلاج الدوائي والحاجه الى العمل الجراحي لمرضى كرون يكون امكانيته اكثر عند المدخنين….
.. وتكون الحاجه الى جراحات أخرى لنفس الحاله هو أكثر حدوثا عند المريض المدخن..
الإستعداد الجيني:
هناك وضوح واسع يؤيد أهمية الإستعداد الجيني لمرض الإلتهابات المزمنة للأمعاء ( مرض كرون ومرض التهاب القولون التقرحي)…وتدرس حالياً كيفية تدخل الإستعداد الجيني في مراقبة الإستجابة المناعية لعدة عوامل محيطية …. وهناك دراسة للجينات المتعددة وعلاقتها المباشرة في تنظيم الإستجابة الإلتهابية.
ويعتقد على نطاق واسع أن هذين المرضين ( مرض كرون ومرض التهاب القولون التقرحي) هما متعدداً العوامل و لهما قاعدة جينية متعددة الموروثات أو كثيرة الجينات.
وهذه الجينات المتواجدة في عدة كروموسومات تقوم بمراقبة الإستجابة الإلتهابية والتمنيع الذاتي .
أعراض مرض كرون:
يتميز مرض كرون بتقديمه لأعراض مرضية غير متجانسة من حيث ظهوره لأول مرة أو تطوره أو التكهن بعاقبة المرض.
1- الإسهال :
يعتبر الإسهال أحد الأعراض الأكثر حدوثاًً … وهناك عدة آليات تسبب الإسهال في هذا المرض من بينها التغيرات في سطح الإمتصاص، والتسكير اللمفاوي الذي يحدث في المنطقة المصابة بالإضافة الى التلوث البكتيري.
والحقيقة أن طبيعة الإخراج وكميتها ونوعها يعتمد على موقع وطول المناطق المصابة وعلى امكانية وجود بعض المضاعفات.
فعندما يتواجد المرض في الأمعاء الدقيقة يعاني المريض من تغوط شحمي أو اسهال … (افرازي دهني) … والذي يعتمد على مكان وجود الإصابة ( في الأنثى عشر أم أماكن أخرى في الأمعاء الدقيقة) ويعتمد كذلك على إتساع وإمتداد الإصابة.
الآليات الأخرى التي تسبب الإسهال هي التلوث البكتيري الذي يتكون عند وجود انسداد ناتج عن تليف وتضيق في جدار الأمعاء أو عند وجود ناسور أو اتصالات غير طبيعية بين الأمعاء والتي قد تحدث عند مرضى كرون . ويمكن أن يكون الإسهال مختلطا مع مخاط ودم، …ولكن التبرز في أقل من 10% عند مرضى كرون يكون طبيعياً بدون إسهال أو أن يعانون من إمساك.
2- الآلام في البطن:
هو أحد الأعراض المعتادة و الأكثر حدوثاً عندما تكون الأمعاء الدقيقة هي المصابة بالمرض … ويحدث الألم عندئذ بعد تناول الطعام في منطقة ما حول الصرة وفي الربع السفلي الأيمن من البطن.
أما إذا كانت الإصابة في القولون الأسفل (المستقيم) فيحدث الألم قبل التبرز.. ويتحسن الألم وتقل تقلصات وتشنجات القولون عندما يقل الإلتهاب ويزول الورم الإلتهابي وهذا ما يحدث بعد تناول العلاج المناسب وخاصة إذا لم تكن الحالة قد تقدمت ووصلت الى تليف في جدار الأمعاء.
والحقيقة أن 25% من المرضى تكون لهم قصة مرضية لألم حاد في الربع السفلي الأيمن من البطن لفترة معينة قبل التشخيص النهائي.
ومن الجدير بالذكر أنه في الحالات المتقدمة من المرض يعاني المصاب أحياناً من ألم مستمر في البطن إما نتيجة تليف في جدار الأمعاء أو نتيجة إصابة النهايات العصبية في منطقة البريتون.
ويجب الإنتباه أن هناك أماكن أخرى للألم مثل منطقة المعدة، جوانب البطن الأيمن أو الأيسر أو في الربع السفلي الأيسر من البطن، أو منطقة الشرج ، منطقة أسفل البطن…الخ ويكون ذلك نتيجة اصابة مناطق معينة من القناة الهضمية أو نتيجة وجود مضاعفات متنوعة للمرض.
3- إرتفاع في درجة حرارة الجسم:
قد تكون السخونه إحدى الأعراض التي نجدها خلال مرحلة نشاط المرض … لذلك ففي حالة وجود سخونه من أصل غير معروف يجب إسثناء مرض كرون كسبب لإرتفاع درجة الحرارة .
وعندما تصل درجة حرارة المريض الى 39 درجة أو أكثر مع قشعريرة وتعرق عند مريض كرون يجب البحث عن مضاعفات هذا المرض مثل وجود خراج أو ناسور .
4- النزيف الدموي السفلي المختلط مع البراز أو المخاط:
ويأتي النزيف الدموي السفلي مع البراز المختلط مع المخاط عندما تكون الإصابة في القولون ونادراً ما يكون هذا النزيف شديداً قادماً من قرحة عميقة في القولون.
5- النقص في الوزن :
شائع في مرحلة نشاط المرض … ويكون أكثر وضوحاً إذا كان الجزء المصاب هو الأمعاء الدقيقة، وإن تأثر حالة التغذية في مرض كرون يكون نتيجة سوء الإمتصاص وفقدان بروتينات مع البراز وكذلك نتيجة تناول سعرات حرارية أقل بسبب الأعراض.
6- غثيان وتقيؤ:
وتحدث عند بعض المرضى نتيجة لحالة شبه الإنسداد العلوي أو أن تكون أحد الأعراض غير النوعية في حالة إنسمام الدم الذي يحدث أحياناً عند مرضى كرون.
7- التعب العام:
يشكو مريض كرون من تعب عام وإرهاق إذا كانت حالة المرض من النوع النشط.
مضاعفات مرض كرون :
1- انسداد القناة الهضمية
انسداد القناه الهضميه :
يعتبر انسداد القناة الهضمية في المنطقة الملتهبة أكثر المضاعفات حدوثاً في مرض كرون حيث نجده في حوالي 30% من الحالات وخاصة إذا كانت المنطقة المصابة هي اللفائفي الأعوري … وتعتمد الإستجابة للعلاج الطبي في هذه الحالة على شدة الإلتهاب وعلى وجود أو عدم وجود تقلص وتشنج أو تليف في المنطقة المصابة.
2 – الناسور FISTULA:
يتميز مرض كرون بتطوير وتكوين نواسير وهي قنوات للإتصال أو شق وفتح خط جديد من الإتصال ما بين الجزء المصاب من الأمعاء وجزء آخر سليم … وعادة ما تكون هذه القنوات مغلقة …. وقد نجدها بين الأمعاء والأمعاء أو بين الأمعاء والجلد أو مع القولون أو المعدة، أو المثانة… وقد نجد ناسوراً شرجياً. وأحياناً يتواجد ناسور ما بين الأمعاء نفسها قبل ظهور أية أعراض للمرض.
3- اصابة الشرج وما حول الشرج:
تعتبر إصابة الشرج وما حوله من العلامات الأكثر خصوصية لمرض كرون وقد تظهر أحياناً قبل الأعراض الأخرى (أي قبل الإسهال وآلام البطن والسخونة) وخاصة إذا كانت الإصابة في المستقيم .
وهناك عدة أشكال لظهور إصابة الشرج من بينها :
- · اصابة القناة الشرجية بجروح صغيرة وتقرحات مع إمكانية حدوث تضيق في القناة.
- · ناسور ما بين القناة الشرجية والجلد أو بين المستقيم والجلد أو بين المستقيم والمهبل.
- · إصابة الجلد حول منطقة الشرج بتقرحات وجروح صغيرة بالإضافة الى إمكانية حدوث خراج مع تقيح، هذه الخراجات والتقيحات قد تكون متكررة الحدوث وصعبة العلاج.
4- توسع القولون السمي TOXIC MEGACOLON:
هذا الاختلاط النادر الحدوث يعتبر من المضاعفات الخطيرة والمهددة للحياة يعاني خلاله المريض من ارتفاع في درجة الحرارة وعلامات واضحة لانسمام عام، وارتفاع في كريات الدم البيضاء .. وتسرع في نبضات القلب، وتوتر عام في البطن وعند إجراء أشعة عادية للبطن نجد القولون المستعرض متوسعاً جداً يزيد قطره عن 6 سم.
وهذه الحالة المرضية ترفع معدل الوفيات عند المرضى لذلك يجب الشروع حالاً بالعلاج الدوائي واذا لم يلاحظ تحسن خلال 48-24 ساعة فقد نلجأ الى العلاج الجراحي وذلك بإستئصال القولون.
5 – النزيف الدموي:
إمكانية حدوث نزيف هضمي في مرض كرون هي اقل بكثير من مرض التهاب القولون التقرحي ولكننا قد نشاهده اذا كان القولون هو المصاب ونادراً ما يكون النزيف شديداً.
6- التحول الى السرطان:
امكانية اصابة مريض كرون بالسرطان نادرة ولكنها ممكنة خاصة في الإصابات التي تحتل مناطق واسعة من الأمعاء ولمدة طويلة من الزمن.
ظواهر وعلامات (لمرض كرون) خارج الأمعاء :
هناك عدة علامات ومظاهر وحيدة أو متعددة خارج الأمعاء يمكن أن نشاهدها مرافقة لمرض كرون … وقد تعقد الأمور أكثر من الآفة المعوية…
وهذه العلامات خارج الأمعاء نشاهدها أحياناً قبل ظهور الأعراض المعوية الهضمية وقد تكون مرافقة لها …. بعضها يظهر خلال الأزمة الحادة للمرض الشديد والبعض الآخر يظهر بدون وجود شدة للمرض،ومن أهم العلامات نذكر:
1- أعراض مفصلية عظمية :
هي أكثر الأعراض غير الهضمية حدوثاً حيث تصاب بعض المفاصل العظمية (اقل من ستة) وتكون عديمة التنسيق لا متناظرة والمفاصل الأكثر إصابة هي : رسغ القدم، رسغ اليد،مفاصل الكوع ، مفصل الفخذ (الورك).
ويعاني المريض أنذاك من ألم مفصلي فقط أو التهاب في المفاصل.
وبالرغم من أن الأعراض المفصلية يمكن أن تتواجد قبل ظهور الأعراض الهضمية إلا أن أغلبية الحالات تظهر بعدها … وتكون هذه الآلام والتهابات المفاصل متكررة الحدوث وعلى فترات.
2- أعراض جلدية:
هناك أعراض جلدية تظهر أحياناً في مرض كرون أهمها:
- مشاهدة الحمامي العجرية ERYTHEMA NODOSUM:
وهي عقد مؤلمة محسوسة لونها ما بين اللون السماوي واللون الأحمر تشاهد غالباً في الأطراف السفلية وتكون ناتجة عن التهابات الأوعية الدموية. إما في الأوعية الجلدية العميقة أو في طبقة الدهون تحت الجلد. وتشاهد هذه العقد في حوالي 15% من حالات مرض كرون، وتتواجد غالباً في الجزء الأمامي من عظم الساق.
تقيح جلدي غنغريني DERMIA -GANGRENOSUM PYO:
يظهر هذا التقيح الجلدي الغنغريني فقط في حوالي 2% من مرضى كرون وعادة ما نشاهده في الساقين… واحياناً لا يكون له علاقة مع نشاط المرض…. وقد تتواجد آفه واحدة أو متعددة، وعند علاجه يترك ندبة (انكماش).
3- أعراض في الغشاء المخاطي أو الطبقة المخاطية للفم:
يظهر في أكثر من 10% من مرض كرون تقرحات أو قلاع APHTHAE في الفم .. وإن تطور هذه التقرحات والقلاع يتعلق بتطور المرض نفسه.
4- قد يعاني مريض كرون من مشاكل في العين نتيجة ظهور التهاب محيط الصلبة EPISCLERITIS او التهاب القزحيةIRITIS أو التهاب القرنية KER TITI.
5- الأعراض البولية والكلوية:
وهذه الأعراض البولية والكلوية هي أكثر حدوثاً في مرض كرون منها في التهاب القولون التقرحي: وأكثر ما نشاهده هو تكوين الحصى في الكلى.
6- أعراض كبدية :
في حالات مرض كرون الشديدة أو المرافقة لسوء التغذية أو التسمم نشاهد أحيانا ارتفاعاً في انزيمات الكبد والتي قد يكون لها علاقة مع التشحم الكبدي المرافق … ونادرا ما يحدث التهاب القنوات الصفراوية المتصلب.
7- الظواهر الدموية:
فقر الدم المرافق لمرض كرون قد يكون نتيجة نزيف بسيط جداً ولكنه مستمر في القناة الهضمية … وقد يكون فقر الدم ناتجاً عن سوء الإمتصاص أو كآثار جانبية لبعض الأدوية التي تعطى لعلاج مرض كرون.
8- تأخر النمو:
ويتميز تأخر النمو بنقص في الوزن، قامة قصيرة، وتأخر في البلوغ … وتأخر النمو يكون نتيجه لسوء الامتصاص وسوء التغذية أو العلاج بالكورتزون.
9- ظواهر أخرى:
قد تحدث ظواهر أخرى في حالة مرض كرون ولكن بشكل نادر وهي التجلط الوريدي، جلطة في الرئة أو في الدماغ ، وهذا قد يحدث أحياناً نتيجة الإختلال في عوامل التخثر.
تشخيص مرض كرون:
الحقيقة أنه لا يوجد علامة تشخيصية تكفي للاعتماد عليها بمفردها لتشخيص مرض كرون، لذلك يتم التشخيص بجمع الأعراض والعلامات السريرية ونتائج الفحوصات المخبرية، والأشعة والتنظير بالإضافة الى نتائج دراسة العينات التي تؤخذ خلال التنظير … وأخيراً متابعة تطور الحالة المرضية.
التنظير:
عند إجراء تنظير لمريض كرون نجد أصنافاً واسعة متعددة من الآفات التنظيرية والتي تتوزع بشكل متفرق حيث تقفز عن مناطق طبيعية غير مصابة تفصلها حدود واضحة.
وفي حالة إصابة القولون المبكرة قد نشاهد ما يسمى بالتقرحات القلاعانية APHTHOID ULCERS وهي العلامة المميزة للإصابة المبكرة وتتميز بحجمها الصغير وحافتها الحمراء المتورمة والمرتفعة بشكل بسيط عن سطح الغشاء المخاطي والتي تظهر إما مجتمعة مع بعضها البعض وإما منفردة معزولة وعادة ما يحيطها غشاء مخاطي سليم .
أما في حالة إصابة القولون المنتشرة والواسعة فتكون الإصابة غير متناظرة أي لا متماثلة …. -ASSYMMETRIC وتحدث الإصابة في المستقيم فقط بدون إجزاء أخرى من القولون في 50% من الحالات وإذا حدث ذلك فيصاب الشرج وحول الشرج غالباً.
وعند وجود مرض كرون متقدم في القولون نشاهد خلال التنظير تقرحات بأحجام وأعماق مختلفة بعضها لولبي ملتف والتي تصل أحياناً الى طبقة ما تحت الغشاء المخاطي.
أما التقرحات التقليدية في مرض كرون فهي التقرحات الخيطية الطولية LINEAR ULCERS والتي تتوسطها شقوق بشكل عرضي وبعمق اكبر ، وقد نشاهد لحميات بأشكال مختلفة.
ويكون الغشاء المخاطي هشاً، قابلاً للنزف بسهولة عند الإحتكاك به أو بشكل تلقائي ولكن هذه الهشاشة هي اقل نسبة من التي نراها في التهاب القولون التقرحي ULCERATIVE COLITIS.
ومن خلال التنظير قد نجد تضيق ( ضيق) … ويكون ناتجاً عن تليف الطبقة تحت المخاطية والتي تصبح ثخينة وهذا يحدث في المناطق المصابة بتقرحات شديدة … وقد ينتهي بإنسداد أمعاء ميكانيكي.
ومن الجدير بالذكر أن التنظير أحياناً يكون غير قادر على تحديد نسبة نشاط المرض بالشكل الصحيح لأنه يعاين طبقة الغشاء المخاطي وليس الجدار بالكامل … كما أن المعايير التي يقدمها التنظير في تمييز التهابات الأمعاء قد لا تكون مطلقة لذلك نحتاج الى أخذ خزعة وعينات من طبقة الغشاء المخاطي … وأحياناً نحتاج الى الزراعة أو فحص البراز لتحري الطفيليات.
ويجب تمييز إصابة القولون بمرض كرون عن إصابته بالتهاب القولون التقرحي ، التهاب القولون الزحاري أو التهاب القولون الناتج عن نقص التروية أو الآفات الإنتانية المتعددة .. الخ.
التشخيص التفريقي:
نظراً لأن مرض كرون يمكن أن يتواجد في أي مكان من القناة الهضمية من الفم حتى الشرج فإن الأعراض تكون مختلفة حسب مكان وجود المرض في القناة الهضمية وحسب مدة الإصابة.
فإذا كانت الإصابة موجودة في منطقة الدقاق الإنتهائي (نهايه اللفا ئفي )فيجب تمييزه عن التهاب الزائدة الدودية وعن السل المعوي وعن الإنتان باليرسينيا المعوية الكولونية… الخ.
أما اذا اذا كانت الإصابة في القولون ففي هذه الحالة يجب تمييزها عن التهاب القولون التقرحي ، التهاب القولون الزحاري الأميبي، التهاب القولون بنقص التروية أو آفات القولون الإنتانية.
ويجب التذكير بأن المعايير التي نشاهدها خلال التنظير قد لا تكون مطلقة لذلك فقد نكون بحاجة الى فحص البراز لتحري الطفيليات ويجب إجراء خزعة وأحياناً الزراعة.. الخ.
والحقيقة أن الألم في الحفرة الحرقفية اليمنى (RT.ILIAC FOSSA) يجبرنا على إستثناء التهاب الزائدة الدودية بالرغم من أن أغلبية مرضى كرونز المصابين بالتهاب في منطقة اللفائفي من الامعاء يشتكون من تكرار أزمات الألم ولفترات طويلة في الحفرة الحرقفية اليمنى قبل حدوث الألم الحاد والشديد وقبل أن تظهر علامات الإلتهاب الحاد .
خراج في الزائدة الدودية:
كذلك يجب التذكير بصعوبة التفريق بين مرض كرون في منطقة اللفائفي الأعوري ILEOCECAL وبين وجود خراج في الزائدة الدودية… وفي تلك الحالة قد يساعدنا إجراء أشعة تلفزيونية للمنطقة أو اشعة طبقية للبطن … ولكن إذا دفع الشك الى إجراء عملية جراحية فإن الفحص الباثولوجي للأنسجة يميز بشكل واضح بينهما .
مرض السل ( الدرن) في الأمعاء :
من المعروف أن هناك تشابهاً في العديد من المظاهر الاكلينية، التنظيرية ، الإشعاعية وحتى في الصور التشريحية الباثالوجية ما بين مرض كرون ومرض السل ( الدرن ) في الأمعاء.
ومن الجدير بالذكر أن الموقع الأكثر إصابة من مرض كرون هو منطقة اللفائفي الأعوري ILEOCECAL وهي نفس المنطقة الأكثر إصابة في مرض السل في الأمعاء … وقد نكتشف أذى أو علامة للسل في الرئة والتي توحي بالتشخيص فقط في حوالي 50% من الحالات وتكون زراعة عينات التنظير أو زراعة القطعة الجراحية المستأصلة في وسط خاص ذات أهمية كبيرة في التشخيص.
الإصابة بجرثومة اليرسينيا المعوية القولونية ( ERTEROCOLITICAYERSINIA )
هناك صعوبة حقيقية للتفريق ما بين الإصابة بجرثومة اليرسينيا المعوية القولونية وبين الحلقة الأولى من مرض كرون لأن المرضين يحدثان التهاباً باللفائفي وفي منطقة اللفائفي الأعوري القولوني ويحدثان التهاباً في الغدة اللمفية المساريقية ADENITIS MESENTERICA … وكل هذا وذاك يؤدي الى اشتباه في الأعراض السريرية وحتى إننا قد نجد أعراضاً خارج القولون متشابهة في الحالتين …
وقد يكون هناك اشتباه في الفحص الإشعاعي والتنظيري …ولكن الإصابة باليرسينيا لا تسبب ناصوراً ولا يتم جس كتلة واضحة في البطن … والتشخيص يتم في أغلبية الحالات بواسطة زراعة خاصة للبراز. والشفاء عادة ما يتم بشكل تلقائي خلال عدة أسابيع بالرغم من أن بعض أنواع اليرسينيا يمكن أن يعطي أعراضاً لمدة أشهر طويلة.
الإصابة بالشريشيات ESCHERICHIA COLI :
الإصابة ببعض انواع البكتيريا مثل الشيجبلا، السالمونيلا … الخ ، قد يسبب شكاً تشخيصيا مع مرض كرون ولكن عندما يحدث اسهال دموي فيكون الشك مع التهاب القولون التقرحي اكثر منه من مرض كرون. الاصابة بالشريشيات ( وهي جراثيم عصوية الشكل تقطن الأمعاء السفلية ) يتميز إكلينيكياً بألم في البطن، اسهال دموي وارتفاع بسيط في درجة الحرارة… وعند استعمال التنظير للتشخيص نجد الإصابة متمثلة بالحمامي وتورماً باضافة الى تقرحات سطحية أو قلاعية وتكون هذه الآفات بشكل حزم وأكثر كثافة في القولون الأيمن … وعند فحص العينات الباثولوجية يتبين وجود نقص في التروية أو علامات التهاب إنتاني (إنتان).
التشخيص التفريقي بين التهاب القولون التقرحي ومرض كرون:
عندما تكون الإصابة في القولون والأمعاء الدقيقة معا لا توجد مشكلة في التشخيص لأن الحالة تكون مرض كرون بشكل واضح … ولكن المشكلة تكون في التفريق بين المرضين عندما نجد الإصابة فقط في القولون مع إصابة المستقيم أو عندما تكون الإصابة مستمرة في المساحة وليست متقطعة . والحقيقه أن هناك 10% من الحالات نجد صعوبة شديدة اذا لم نقل استحالة في التفريق بينهما بالرغم من جميع النقاط الخاصة بالمرضين من الناحية الإكلينيكية والإشعاعية والباثولوجية
والله اعلم
بقلم د. نعيم ابو نبعه
إستشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد