الـيرقان عند السيدة الحامل
بقلم د.نعيم أبو نبعـة
استشاري أمراض الجهاز الهضمي و الكبد
يسجل حالات كثيرة من اليرقان عند النساء الحوامل و التي يكون سببها إحدى الأمراض التي تصيب الحامل فقط او ان يكون السبب إحدى الأمراض التي تسبب اليرقان عند أي شخص سواء كان رجلاً او امرأة حامل او غير حامل .
و تختلف نسبة انتشار اليرقان عند السيدات الحوامل حسب المنطقة و البلد الذي تعيش فيه، و بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة في بلادنا العربية حول هذه الأمراض إلا ان المرأة الحامل في بلادنا قد تصاب أحياناً بأحد الأمراض التالية التي تسبب اليرقان :
انسمام الدم الناتج عن الحمل: الذي قد يظهر على شكل ارتفاع ضغط الدم ، آلام في البطن، غثيان، تقيؤ، و السبب غير معروف و لكن يعتقد بأن العوامل النفسية و الهرمونية تلعب دوراً هاماً، ومن الجدير بالذكر انه لا داعي لإيقاف الحمل و لا داعي للقلق الشديد، و العلاج عادة ما يعتمد على الراحة الجسدية و النفسية و الابتعاد قليلاً عن الجو العائلي اذا لوحظ انه قد يكون هو السبب، وفي الحالات الشديدة من الأفضل إدخال المريضة الى المستشفى لتهدئة التقيؤ و إعطاء المريضة السوائل اللازمة و تغذيتها عن طريق الوريد .
مرض الركود الصفراوي عند المرأة الحامل : حالة مرضية وراثية عائلية تعاني منها بعض الحوامل و أهم أعراضها الحكة التي قد تزداد تدريجياً بدون أي مرض جلدي ……و هذا المرض يعتبر حالة حميدة ، و يتم الاشتباه له عندما تعاني سيدة حامل من حكة في جسمها و نجد في تحليل الدم علامات ركود صفراوي متمثلة بزيادة البيليروبين و ارتفاع في نسبة الفوسفاتيز القلوية و الكوليسترول و دهون الدم الأخرى، و عند فحص المريضة سريرياً نجد ان حالتها الصحية العامة جيدة، ولا تعاني من مغص مراري.
و الحقيقة ان تشخيص هذه الحالة عند السيدة الحامل لأول مرة قد يكون صعبا ولهذا السبب يجب استثناء التهابات الكبد الفيروسية و الأمراض الأخرى التي تسبب الأعراض المشابهة، و يجب اجراء أشعة تلفزيونية ( الالتراسوند ) لاستثناء وجود حصوات في كيس المرارة او في القنوات الصفراوية الأخرى خارج الكبد.
التشحم الكبدي الحاد الناتج عن الحمل: حالة مرضية نادرة جداً لكنها خطيرة تحدث نتيجة الحمل وخاصةً ما بين الأسبوع الثلاثين و الأسبوع الثامن و الثلاثين من الحمل و قد تنتهي بفشل كبدي و الأخطر من ذلك هو الفشل الكلوي، لذلك فإن التشخيص المبكر الذي يحب ان يؤدي الى ولادة مبكرة و سريعة للجنين يعطي نتيجة أفضل للأم ولطفلها .
و بلا شك يجب اتخاذ كامل الاجراءات لعلاج الفشل الكبدي و الفشل الكلوي و كذلك اعطاء مثبطات الافرازات الحامضية لمنع النـزيف الناتج عن التهابات الشديدة في المعدة و الاثنى عشر ، و كذلك نستعمل البلازما الطازجة ( F.F.P) والالبومين وقد نحتاج الى غسيل كلى اذا كان ذلك ضرورياً، و في بعض الحالات الخاصة تكون زراعة الكبد هي الطريقة الوحيدة لعلاج هذه الحالة المرضية.
و لكن يجب ان لا ننسى ان المرأة قد تصاب كذلك خلال حملها بأي من الأمراض التي قد تسبب اليرقان عند أي إنسان و هي :
_ التهابات الكبد الفيروسية نوع: EBV, CMV, E, D, C, B, A …الخ.
_ التهابات الكبد البكتيرية ( مثل السالمونيلا ، الدرن ، السفلس …) الخ.
-التهابات الكبد الناتجة عن الأدوية مثل أدوية الدرن، بعض المضادات الحيوية، بعض الأدوية النفسية… الخ.
– حصوات في المرارة او في القنوات الصفراوية .
– تشمع الكبد…الخ.
ومن الجدير بالذكر ان هذه المجموعة الأخيرة من الأمراض التي تسبب اليرقان تكون نسبتها مشابهة عند النساء الحوامل او غير الحوامل لأنها قد تصيب اي فرد في المجتمع اذا توافرت الظروف المساعدة على ذلك، وان نسبة انتشارها عند النساء الحوامل او غير الحوامل تعتمد على عدة ظروف من بينها الظروف الصحية و الغذائية و المائية في المنطقة.
و السؤال الذي ما زال قائماً هو هل أمراض الكبد تصبح اكثر خطراً اذا أصيبت بها السيدة الحامل؟! وهل هناك حاجة الى الإسراع بالولادة او الإقدام على أي اجراء خاص لإنهاء الحمل؟!
ونحن نقول ان كل نوع من أنواع امراض الكبد له خصوصيته و كل مريضة لها وضعها الاجتماعي الخاص بها و لها ظروفها ووضعها الصحي الخاص و كل حالة تُعامل حسب خصوصيتها لوحدها .
الفحص السريري للسيدة الحامل :
الفحص السريري للحامل عادة ما يكون فيه صعوبة أكثر في حس ومعرفة حجم الكبد و حجم الطحال، كما ان هناك صعوبة أحياناً في معرفة اذا كان يوجد استسقاء أم لا ( تجمع السوائل في البطن )، و نلجأ الى الأشعة التلفزيونية ( الالتراساوند ) لمعرفة الجوانب المذكورة .
ويساعد تحليل الدم على معرفة اذا كان هناك اضطراب في وظائف الكبد أم لا مع أننا قد نجد عند المرأة الحامل ارتفاع بسيط ( طبيعي )في الفوسفاتيز القلوية Alkaline Phosphatase و الكوليسترول بدون ان يعني وجود أي مرض في الكبد، و في هذه الحالة يكون أصل معظم الفوسفاتيز القلوية من المشيمة و ليس من الكبد.
و يعتبر التشخيص المبكر والصحيح لليرقان عند السيدة الحامل من الأمور المهمة للأم والجنين معاً.
هل هناك خطر للإجهاض التلقائي عند المريضة الحامل التي تعاني من مرض في الكبد :
الحقيقة ان إمكانية حدوث الإجهاض خلال الثلاث أشهر الأولى ووفاة الجنين خلال الحمل تعتمد على درجة خطورة المرض الذي أصاب الكبد بشكل عام، وهذه قاعدة سريرية تصلح لكل الأمراض التي تصيب الحامل أثناء الحمل و ليس فقط لأمراض الكبد.
خطـر تشوه الجنين :
أثبتت العديد من الدراسات العلمية ان أمراض الكبد بمختلف أنواعها و التي تصيب المرأة الحامل لا تسبب بذاتها أي تشوه في الجنين، و لكن يجب مراقبة الجنين بشكل جيد طوال فترة المرض و التدخل لإنهاء الحمل مبكراً اذا لوحظ علامات معاناة للجنين ( اذا كان ذلك ممكناً ) .
الـرضاعة الطبيعية :
اصابة الأم خلال الحمل و الاستمرار بالإصابة بعد الولادة بأي مرض كبدي لا يمنع الأم من إرضاع طفلها الرضاعة الطبيعية، و هذا التأكيد كذلك يصلح في حالة التهابات الكبد الفيروسية، و لكن اذا كانت الأم مصابة بالفيروس B فيعطى المولود الجديد الأجسام المضادة الجاهزة ( الغلوبولين المناعي ) حالاً بعد الولادة يتبعه التطعيم ضد الفيروس B و بهذه الحالة يمكن للأم إرضاعه بدون وجود أي مشكلة لها او له.
·تأثير الحمل على مريضة الكبد المزمنة :
الحقيقة انه نادراً ما تحمل المريضة التي تعاني من تشمع الكبـد لأن التشمع قد يُحدث عندها تغييرات جنسية نتيجة اختلال في هرمونات الجسم المؤنثة و هذا ما قد يؤدي الى ضمور واضح في الثديين و الرحم و المبايض، وقد يبدأ الشعر بالظهور في الوجه و قد تنقطع العادة الشهرية و تبدأ بكراهية الجنس و قد تنتهي بالعقم التام ………
أما اذا حملت تلك المريضة (التي تعاني من تشمع الكبد ) فلا مانع من ذلك و لا يتطلب هذا إنهاء الحمل و في هذه الحالة تكون الولادة دائماً مبكرة حيث انه لمن غير المعتاد ان يكون هناك ولادة غير مبكرة عند المرأة التي تعاني من تشمع الكبد، ففي أغلب الحالات تَحدُث الولادة قبل موعدها بأسابيع او بأشهر.
أما المريضة التي تعاني من التهاب كبدي مناعي ذاتي Autoimmune hepatitis) ) و التي عادة ما تكون من الشابات الرشيقات الجذابات (Attractive women ) فأننا نجدها تعاني من انقطاع الطمث ( الحيض ) منذ بداية اكتشاف المرض، و لكن بعد استعمال العلاج بالستيرويدات فإن نشاط المرض سوف ينخفض مما يؤدي الى رجوع الحيض، لذلك فقد تحمل تلك السيدة في هذه الفترة، و أثناء الحمل قد تـضطرب وتسوء حالة الكبد لترجع بعد الولادة الى سابقها كمـا كـانت قبل الحمل.
ان تـواجد الحمـل مع أمـراض الكبـد المـزمنة لا يعنـي انـه يجب إنـهاء الحمـل بـل الاستمـرار بـه مـع الأخـذ بعيـن الاعـتبـار أهميـة مـراقبـة السيـدة الحـامـل وجنينــها عن كثـب.
بقلم د.نعيم أبو نبعـة
استشاري أمراض الجهاز الهضمي و الكبد