معلومات حول داء النشوانية ( Amyloidosis)
بقلم الدكتور : نعيم أبو نبعة
أستشاري الجهاز الهضمي و الكبد
يعتبر داء النشواني أو الاميلويدوسس ( Amyloidosis) من الامراض الشائكة الصعبة التي ما زالت لغزا طبيا في طريقة تكوينها وانواعها وعلاجها بالرغم من التقدم الواضح الذي حدث في السنوات الأخيرة في هذا الموضوع.
و الحقيقة ان هذا المرض ينتج عن خلل في أستقطاب (ايض) احدى بروتينات الجسم المشتقة من الفا غلوبين و المسماة اميلويد ( نظير النشا ) … و هذا الخلل يؤدي الى زيادة كبيرة في أنتاجه في الجسم مما يجعله يترسب ويتجمع في مكان أو عدة أماكن داخل الجسم … ولقد تبين أخيرا ان هناك تعقيدا وصعوبة كبيرة في تصنيف البروتينات الاميلويدية و الأمراض الناتجة عنها …
وسمي هذا المرض داء نشواني لان صبغة بروتين الاميلويد تشبه صبغة النشا ، ومادة الاميلويد هي مادة بروتينية تتكون من خيوط رفيعة دقيقة جدا لكنها قاسية غير متفرعة وغير قابلة للذوبان او الأنحلال، و اذا كان هناك زيادة مستمرة في كميتها وحجمها داخل الجسم تترسب خارج الخلايا في مكان واحد او عدة اماكن واعضاء داخل الجسم.
و من الجدير بالذكر ان القصة الطبيعية للمرض غير مفهومة بالشكل الصحيح وان التشخيص الاكلينيكي يحدث غالبا في وقت متاخر عندما يكون المرض متقدم جدا .
ولتوضيح كيفية حدوث المرض نقول بان نخاع العظم ( Bone Marrow ) يقوم عند الأنسان السليم بانتاج خلايا الدم الحمراء و البيضاء و الصفائح الدموية بالاضافة الى بروتينات خاصة تسمى الأجسام المضادة…
و من المعروف ان هذه الأجسام المضادة تقوم بعملها في مقاومة الالتهابات و الجراثيم المختلفة وبعد الانتهاء من عملها يقوم الجسم بتحطيمها ليعيد تكوينها من جديد لمقاومة جراثيم والتهابات أخرى …
يحدث مرض النشوانية ( الاميلويدوسس ) عندما تقوم خلايا نخاع العظم بتكوين اجسام مضادة لا يتمكن الجسم من تحطيمها بعد الانتهاء من عملها فتزداد كميتها في مجرى الدم بشكل تدريجي مما يؤدي الى ترسبها في عضو أو عدة أعضاء داخل الجسم مثل القلب ، الكلى ، الكبد ، الطحال ، الجلد ، الأغشية المخاطية ، العضلات المخططة ، الرئتين ، الدماغ ، الاعصاب ، المفاصل و الجهاز التنفسي او الهضمي … وهذا ما يؤدي الى اضطراب وخلل في عمل العضو المصاب ومن هنا تبدأ الاعراض وعلامات المرض بالظهور.
انواع مرض النشوانية
هناك ثلاثة انواع كبرى من مرض النشواني مختلفة الواحدة عن الأخرى … ولكل نوع دليل بحرفين وكل دليل يبدأ بحرف A من كلمة Amyloidosis و الحرف الثاني يحمل اسم او نوع البروتين ( الأجسام المضادة ) المترسبة وهذه الانوع هي:
1. داء نشواني أولي : ( Primary Amylodosis ) و الذي غالبا ما يصاحب داء الاورام النقيية المتعددة (Multiple Myeloma) و تكون البروتينات المترسبة من نوع AL
(Light Chain Protein) ويعالج هذا النوع حاليا بالأدوية الكيميائية
2. داء نشواني ثانوي : و الذي غالبا ما يكون مصاحبا لحمى البحر المتوسط ، التهابات مزمنة في المفاصل أو العظم ، مرض كرون في الأمعاء ، مرض الدرن ( السل ) الرئوي المزمن ، مرض توسع الشعب في القصبات الهوائية او أمراض التهابية مزمنة أخرى.
تكون البروتينات المترسبة من نوع AA و التي غالبا ما تترسب في الكبد ، الكلى ، الغدد فوق الكلى ، القلب أو الجهاز العصبي المحيطي….الخ.
هذا وقد لوحظ في العديد من الحالات ان العلاج الطبي او الجراحي للمرض المتسبب يحسن حالة المريض بشكل ملحوظ وقد يوقف تقدم المرض.
3. داء نشواني وراثي العائلي: هو النوع الوحيد من داء نشواني الذي يمكن ان يورث فقد نجده عند بعض العائلات و الأجناس …. تكون البروتينات المترسبة من نوع ATT (Transthyretin) و التي تتكون اصلا في الكبد ولكن التحول و التبدل في هذا البروتين ATT هو الذي يسبب داء نشواني الوراثي …. ولقد لوحظ أن هناك حوالي 50 تبديل قد يحدث في هذا البروتين.
ويصاب في هذا النوع من داء نشواني الوراثي العائلي الجهاز العصبي و القناة الهضمية وهذا ما يؤدي الى خدران و نخر في الذراعين و الساقين ودوخان عند الوقوف بالاضافة الى الاسهالات المتكررة.
ومن الجدير بالذكر ان كل عائلة مصابة بهذا النوع من المرض لها نموذج من الاعضاء المصابة ونموذج من الأعراض الخاصة. وكذلك نقول انه اذا اصيب شخص معين فهناك ما نسبته 50% من أمكانية اصابة اي ابنائه وان الابن الغير مصاب لا ينقل هذا المرض لاي من أولاده أو أحفاده….
اصابة داء النشواني للقناة الهضمية
ارتشاح وترسب الاميلويد في الأوعية الدموية للقناة الهضمية قد يؤدي الى ضمور في الأغشية المخاطية وظهور تقرحات مختلفة ومتعددة معتمدة على مكان الأصابة.
الاعراض الهضمية كثيرة الوجود في هذا المرض وقد تكون نتيجة الاصابة المباشرة للقناة الهضمية في أي جزء منها. أو أن تكون الاعراض ثنائية للارتشاح النشواني للاعصاب الاستقلالية.
الأعراض الهضمية تتراوح ما بين اللاشكوى من أي شيء مرورا بالانسداد المعوي ، تقرحات في القناة الهضمية ، سوء أمتصاص ، نزيف دموي ، فقدان البروتين مع البراز واسهالات متكررة…الخ
· الارتشاح وترسب الاميلويد في اللسان يؤدي احيانا الى تضخم واضح في اللسان وقد يحدث تصلب ومتانة شديدة في اللسان.
الأرتشاح النشواني للمريء قد يؤدي الى اضطراب في حركات المريء والى حدوث تصلب وتوسع مريئي.
· أصابة المعدة بهذه الترسبات قد يؤدي الى ضمور في الغشاء المخاطي او حدوث قرحة هضمية…و أحيانا قد يظهر بالخطأ وكأنه ورم خبيث متسببا لأنسداد داخل المعده و عدم حموضة الكلوريد (Achlorhydria)… وقد تظهر الصور الاشعاعية الملونة على أنه سرطان ولكن أجراء التنظير و أخذ عينات يظهر الحقيقة بالكامل بانه مرض الاميلويد ( داء نشواني ) .
· ترسب الاميلويد في الأمعاء الدقيقة قد يؤدي الى علامات اكلينيكية واشعاعية لانسداد معوي وقد يؤدي الى علامات سوء أمتصاص للمواد الغذائية.
· اصابة القولون ( الأمعاء الغليظة ) قد تعطي علامات و أعراض مشابهة لالتهاب القولون التقرحي.
· النزيف الدموي قد يحدث من عدة اماكن مصابة وخاصة المريء ، المعدة ، أو القولون…. و أحيانا يكون النزيف شديدا.
· داء نشواني قد يتطور مصاحبا لامراض اخرى في القناة الهضمية مثل التدرن ، ليمفوما ، و أمراض أخرى .
اصابة الكبد في داء نشواني Liver Amyloidosis :
غالبا ما يصاب الكبد في مرض داء نشواني حيث يحدث ترسب وراتشاح نشواني داخل الكبد وبنسب متفاوته معتمدة عل سبب الداء النشواني ومدة الاصابة.
والحقيقة ان ترسب الاميلويد في الكبد يكون خارج الخلية الكبدية وخاصة ما بين اعمدة الخلايا وجدار شبه الجيوب (sinusoids).
وبالرغم من وجود تضخم في الكبد في حوالي 30% من حالات مرض النشوائية الا اننا لا نجد علامات واعراض مميزة خاصة بإصابة الكبد وتكون وظائف وانزيمات الكبد في اغلبية الحالات طبيعية ما عدا الفوسفاتاز القلوية…وعند الفحص السريري لا نجد سوى تضخم ناعم واملس في الكبد وعند الضغط عليه او لمسه لا يشعر المريض بألم….واحيانا نجد تضخم في الطحال نتيجة لترسب الاميلويد فيه اما اليرقان البسيط فقد نجده في 5% من الحالات.
ونادراً جدا ما يحدث ارتفاع في ضغط الوريد البابي مما يؤدي الى دوالي المريئ…وهذا ما نجده عندما يحدث ارتشاح وترسب نشواني شديد جدا في الكبد وقد تتسبب الحالة في حدوث انسداد صفرواي داخل الكبد نتيجة لهذه الترسبات الشديدة.
الاستسقاء في البطن (ascitis) قد نجده في حوالي 20% من حالات داء نشواني الاولي ولا يكون ناتج عن ارتفاع الضغط في الوريد البابي انما ناتج عن المتلازمة الكلوية (Nephrotic Syndrome) وكذلك نتيجة نقص قي بروتنيات البلازما واحيانا قد يكون ناجم عن فشل القلب.
تشخيص اصابة الكبد تتم بأخد خزعة من الكبد ولا يوجد وسيلة للتشخيص الصحيح الا بأخد عينة من الكبد ودراستها تحت المجهر لكي تشاهد ترسبات نظير النشا Amyloid بين جدار شبه الجيوب Sinusoid واعمدة الخلايا الكبدية.
تشخيص مرض داء نشواني:
الطريقه الوحيده لتشخيص هذا المرض تتم باثبات ترسب الاميلويد في قطعة نسيج (من احدى العينات)…….. وتصبغ عينة الانسجة يشكل ملائم مع صبغة تسمى Congo Redوالتي تلون الاميلويد ان وجد في النسيج حيث يظهر بشكل خاص أذا وضع تحت المجهر الخاص بذلك…..وقد نحتاج الى فحوصات اخرى في المختبر المتخصص لمعرفة نوع الاميلويد المترسب.
تؤخد العينات من دهون البطن حيث ان الخزعة من دهون البطن هي اجراء غير مؤلم نسبيا فبعد تخذير منطقة صغيرة من البطن : نستعمل ابرة لازالة جزء صغير من الخلايا الدهنية من تحت الجلد…..هذه الطريقة التشخصية تستعمل في العديد من المراكز العالمية لتوكد وتثبت صحة التشخيص وتساعد على تحديد نوع البروتين (الاميلويد) المترسب بالاضافة الى مراقبة اختفاء المرض بعد مدة من العلاج…..واعتمادا على نوع الاميلود فقط نجري خزعه من نخاع العظم.
وهناك البعض من الباحثين الذين يعتقدون ان افضل واسهل وسيلة لتشخيص داء النشوانية هو اخذ عينة او خزعة من المستقيم ودراستها تحت المجهر بعد صبغها بالملون الخاص.
وفي حالة استحالة تلك الطريقة او حالة كون العينة غير تشخيصية فيمكن اخذ عينات من العقد الجلدية،اللثة،الكلية،الكبد (حسب العضو المصاب)…….
وفي حالة دراسة خزعة الكبد فانها تظهر ترسبات نظير النشا بين جدران شبه الجيوب (Sinusoid) واعمدة الخلايا الكبدية وفي معظم الحالات يكون البول الزلالي ايجابي.
علاج داء النشوانيـــــــــــــة :
علاج الاميلويدوسس الاولي AL)) داء النشواني الأولي:
احد انواع الادوية الكميائية الميلفلان (Melphalan) له قيمة عالية في علاج هذا المرض والذي يعطي على شكل اقراص عن طريق الفم، ولكن حديثا ا تم استعماله بطريقة اكثر فعاليه وذلك باعطاء دواء الملفلان عن طريق الوريد يتبعه اعادة خلايا المنشأ من نخاع العظام للمريض والتي كانت قد اخدت منه سابقا لهذا الغرض(Stem-cell Transplantation) وخلايا المنشأ هذه تتكون قي مخ العظام وتكون المصدر لخلايا الدم……
وبهذا النوع من العلاج الفعال نسعى الى ازالة خلايا البلازما المصابه المسؤولة عن الاميلويد نوع AL …. وهذا ما يساعد على اعادة تكوين خلايا نخاع العظام السليمه آملين وقف انتاج البروتين الاميلويدي . ومن الجدير بالذكر بأن هناك بعض الاثار الجانبية التي قد تظهر عند استعمال دواء الميلفلانمن بينها انخفاض عدد خلايا الدم
علاج داء النشواني الثانوي:
يكون العلاج بضبط ومعالجة السبب المسؤل عن حدوث هذا المرض النشواني الثانوي وذلك طيبا او جراحيا
فاذا كان مرض السل ( الدرن ) هو السبب وتم معالجته بالأدوية المتوفرة وتم الشفاء منه فقد يختفي داء النشواني.
واذا تم استئصال كامل للورم المسبب للمرض فقد تهدأ الأمور ويختفي داء النشواني… و أذا عولج التهاب المفاصل نظير الرثوي ( Rh. Arthritis) وحدث تحسن اكلينيكي سريري للالتهاب… فقد يختفي اعراض وعلامات داء النشواني…
ومن الجدير بالذكر أن هناك محاولات علاجية اخرى باعطاء بعض انواع الكرتزون واحيانا يستعمل الكولتشين Colchicine.
علاج داء نشواني العائلي الوراثي :
في داء نشواني الوراثي يكون العلاج الاهم هو زراعة الكبد لان البروتين المترسب و المتسبب لهذا المرض من نوع ( Transthyretin ) يتم انتاجه في الكبد … لذلك فان ازالة الكبد المنتج له وزراعة اخر مكانه سوف ينهي المشكلة لان الكبد الجديد من المفروض أن ينتج بروتين Transthyretin)) طبيعي وغير ضار وهذه النظرية الحديثة ما زالت تحت التجربة.
العلاج المساعد Supportive Treatment :
هناك مجموعة من الاجرائات التي يجب ان نقوم بها لتخفيف وتهوين بعض المشاكل و الأعراض الخاصة التي تنتج عن ترسبات مادة الاميلويد في أعضاء الجسم وهذه الاجرائات هي هامة في كل انواع هذا المرض.
ومثالا على ذلك فاذا كانت الأصابة في الكلى او القلب فقد يحتاج المريض لتناول مدر للبول بالاضافة الى تخفيض نسبة الأملاح في الطعام او ان يلبس جورب طويل ويرفع رجليه الى اعلى عند الجلوس وذلك من أجل المساعدة في تقليل انتفاخ وتورم الرجلين.
وعندما تكون القناة الهضمية هي المصابة فقد يحتا المريض الى تغير في طبيعة وجبة الطعام او تناول بعض الأدوية وذلك من أجل توقف الاسهال او التقليل من الشعور بامتلاء المعدة.
هذه الاجراءات بالاضافة الى وسائل اخرى زادت بشكل ملحوظ في تحسين الظروف المعيشية لهؤلاء المرضى
و الله أعلم
بقلم الدكتور : نعيم يوسف أبو نبعة
أستشاري أمراض الجهاز العضمي و الكبد