الجمرة الخبيثة (الانتراكس ) مـــا لهـــــا ومــا عليهـــــا
بقلم الـدكتـور نعيــم أبـو نبعــة
استشـاري أمـراض الجهـاز الهضمـي والكبـد
بالرغم من ان مرض الجمرة الخبيثة ( الانتراكس ) من الامراض المعروفة منذ وقت طويل حيث تم اكتشافها عام 1863 الا ان سبب الاهتمام بها هو حالة الفزع و الرعب التي اصابت الولايات المتحدة الامريكية وانتقلت الى الدول الاوروبية وبعد ذلك الى سكان الكرة الارضية بأكملها.
هذا الاهتمام الشديد حدث نتيجة الخوف من هجمات ( ارهابية ) بيولوجية باستخدام بعض انواع البكتيريا او الفيروسات شديدة العدوى كسلاح ضد امريكا او اي دولة اخرى قاهرة للشعوب.
وامتد الخوف الى امكانية استخدام الغازات السامة او الأبخرة كسلاح يمكن ان يقتل عديد كبير من الناس.
كــل هذا وذاك جاء بعد تسجيل حالات من الاصابة بالجمرة الخبيثة الرئوية في الولايات المتحدة عند استنشاقهم لمسحوق ناعم لونه ابيض كان داخل بعض الرسائل البريدية وتزايـد عـدد الحالات المصابـة ووفـاة القليل منهم، والعدد في ازدياد وخاصـة بين العـامليـن في توزيـع البريـد.
ولكنني اقول ان عدد الاصابات هو قليل جداً نسبة الى عدد سكان الولايات المتحدة واعتقد ان الامر لا يستدعي كل هذا الفزع و الرعـب الذي امتـد الى كـل دول العـــالم…ويمكن ان يكون كل هذا التهويل في الحديث عنه و بشكل مكثف في مختلف وسائل الاعلام المقـروءة، المسموعـة والمرئيـة هـو تغطيـة ما تقوم به الولايـات المتحـدة من حرب ارهابيـة ضد افغانستـان وتغطيـة ما يقـوم به الارهابي شارون وحكـومتـه ضد الشعـب الفلسطيـني المنـاضـل.
وبما انني لست سياسياً ولست محللاً للأحداث انما طبيب لذلك اكتفي بالكتابة عن الجمرة الخبيثة من الناحية العلمية و الطبية.
الجمــرة الخبيثــة ( Anthrax ) :
الانتراكس او الجمرة الخبيثة هو مرض بكتيري ناتج عن الاصابة بجرثومة عصوية الشكل تمتلك قدرة كبيرة على مقاومة الحرارة والبرودة والمطهرات و المعقمات الكيماوية.
وكلمة الانتراكس هي الاسم بالانجليزية للمرض وهو مقتبس من الكلمة اليونانية Anthrakis و تعني الفحم وذلك لأن الاصابة الجلدية بهذا المرض ينتج عنها ظهور تقرحات جلـديـة سـوداء اللـون مميـزة للمـرض.
هذه البكتيريا تصيب الحيوانات البرية و الأليفة بعد انتقال العدوى لها عن طريق دخول هذه البكتيريا الى جروح صغيرة في الجلد او عن طريق الجهاز الهضمي بعد ابتلاعها واحياناً قد تتم العدوى عن طريق الإستنشاق.
و تعتبر الماشية، الحصان، الخراف، الماعز، و الخنازير من اكثر الحيوانات اصابة بهذا المرض و عادة ما يتم اخراج بزيرات البكتيريا ( البوغ ) عن طريق البراز لتستوطن في التراب او في جثث الحيوانات.
وان تحوصل هذه البكتيريا في جدارها السميك يجعلها تعيش في التربة مختبئة لعشرات السنين او عيشها في الأعلاف و المخلفات و المنتجات الحيوانية … بالإضافة الى قدرتها على مقاومة الحرارة و البرودة، كل هذا يعتبر عامل مهم في استمرار انتشارها حيث انها قد تصل من التربة الى جسم الحيوان او جسم الانسان، واذا وجدت البيئة المناسبة تفتحت اعداد كافية من الجراثيم وبدأت بالتكاثر و النمو بشكل تدريجي في انسجة وسوائل الجسم و تبدأ بإفراز سموم بكتيرية مسببة للمرض.
هذا ولقد تبين ان بعض الاراضي التي ترعى فيها الماشية و الحيوانات تبقى معدية لمدة سنوات طويلـة.
ومن المعروف ان الانتراكس عالمي الانتشار وكان قد تفشى سابقاً في عدة بلدان من جنوب اوروبا و افريقيا، استراليا، آسيا و كذلك في الامريكيتين، و الطريقة الوحيدة للإصابة به تكون عن طريق التعرض لأعداد كبيرة من جراثيم الانتراكس.
الانتـراكس مـن الأمـراض المهنيـة:
تعتبر الجمرة الخبيثة او الانتراكس من الامراض المهنية حيث تصيب أحياناً بعض المزارعين، الجزارين، تاجري اللحوم والأشخاص الذين يتعاملون مع جلود الحيوانات او شعرة او صوفة في مناطق يستوطن فيها المرض.
ولقد تم تسجيل حالات من العدوى عند بعض المجموعات من الناس الذين يستعملون جلد الحيوانات كوسادات للنوم او ملبوسات او لحمل الماء و الحليب، او عند الناس الذين يأكلون لحوم الحيوانات المصابة بهذه الجرثومة.
وتحدث العدوى للناس عن طريق الجلد عندما يحدث تلقيح الى داخل الجلد من خلال احدى الجروح الصغيرة او بعض مناطق الجلد المكشوفة المحكوكة.
احياناً اخرى تحدث العدوى للناس اذا تم تناول طعام ملوث بهذه البكتيريا او اذا تم استنشاقها كما حدث في الحالات التي تم تسجيلها في الولايات المتحدة الامريكية شَهري أكتوبر و نوفمبر 2001 م.
ومن المعروف ان فترة الحضانة ( منذ بداية العدوى الى ظهور الأعراض ) تتراوح ما بين يوم واحد الى اربعة ايام تقريباً.
الأعـراض:
تختلف الاعراض باختلاف طريقة دخول الجرثومة الى الجسم، لذلك هناك ثلاثة صور سريرية للمرض:
1. الاصابات الجلدية:( عند دخول البكتيريا ( الانتراكس ) عن طريق الجلد بواسطة جرح او خدش صغير ):
و هذا النوع هو اكثر انواع الاصابة بهذا المرض و تبدأ الاصابة في المناطق المكشوفة من الجسم مثل الايدي، الساعد، الوجه، حيث تلامس البكتيريا الجلد في هذه المناطـق وتدخـل اليه عن طريـق اي جرح او خدش فتبـدأ البثرة الجلدية والورم بالظهور في المنطقة المصابة مما يجعل المريض يهرش تلك المنطقة؛ واستمرار الالتهاب يؤدي الى تصلب و قساوة في المنطقة المصابة و بعدها يحدث تقيح ( تجمع القيح ) و ينتهي الموضوع بحلقة سوداء متصلبة و كأنها جمرة من الفحم الأسود و هي غير مؤلمة و قد تتواجد في عدةاماكن من جلد المريض، ويرافقها في اغلبية الحالات تضخم بسيط في الغدد اللمفاوية القريبة.
و في بعض المناطق الموبوءة قد يعاني المريض من التعب العام و ارتفاع في درجة الحرارة وانتان في الدم نتيجة دخـول الجرثومـة الى مـجرى الـدم ممـا قـد يؤدي الى الوفــاة النـادرة الحـدوث في الإصـابـات الجلديـة.
2. الاصابة الهضميـة:
ان الاصابة الهضمية خطيرة لأن وصول الجرثومة للفم عن طريق الطعام الملوث يسبب التهابات وتقرحات في منطقة البلعوم ومن ثم تنتقل الى القناة الهضمية حتى تصل الى الأمعاء الدقيقة و تسبب التهاباً شديداً في الأمعاء مما يجعل المريض يعاني من آلام شديدة في البطن مع غثيان و تقيؤ و يستمر المرض ليحدث اسهال دموي مع ارتفاع في درجة الحرارة و قد ينتهي بالموت خلال ايام اذا لم يتم التشخيص و العلاج المبكر.
3. الاصـابـة التنفسيـة:
و هي اخطر الاصابات حيث ان استنشاق هواء او غبار ملوث بالعصيات الحية من جرثومة الانتراكس يـؤدي في اغلبية الحالات الى التهاب شديـد وحـاد في الحنجرة والى التهاب شديد و دموي في القصبات الهوائية والرئة مما قد يؤدي الى مشاكـل تنفسيـة شديدة تنتهي بالصدمة و الانهياروالاصابة التنفسية عن طريق الاستنشاق اخطر من الاصابة الهضمية و الجلدية حيث انها تسبب الوفاة في نسبة عالية من المرضـى خـلال ايـام معدودة.
هذا ولقد تم تسجيل اكبر حادث استنشاق للجمرة الخبيثة في عام 1979 م في روسيا عندما تم اطلاق هذه الجراثيم عن طريق الخطأ مما ادى الى حدوث 79 اصابة بهذا المرض توفي الأغلبية العظمى منهم.
التشخيــص:
1) الاصابة الجلدية سهلة التشخيص ويتم تشخيصها بالعين المجردة اوبإجراء فحص مجهري بسيط في المنطقة المصابة وبعدها يقوم الطبيب بتحضير شرائح وفحصها مجهرياً للتأكد من مشاهدة عصيات الانتراكس المميزة الشكل.
2) الطريقة الأخرى للتشخيص هي زراعة العينات وفي حالة الايجابية تنمو البكتيريا خلال 28 – 48 ساعة ونشاهد بكتيريا الانتراكس بشكل واضح في العينات.
3) احياناً نضطر الى عمل فحص دم للكشف عن نسبة الاجسام المضادة للإنتراكس.
4) في بعض المراكز المتقدمة تستعمل تقنية البوليميراز ( PCR-Test ) و التي قد تبين عدداً من عصيات الانتراكس.
العـلاج:
هناك لقاح ( تطعيم ) ضد الجمرة الخبيثة للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة او الجنود المهددين بخطر الحرب البيولوجية باستعمال هذه البكتيريا.
اماالعلاج للمصابين فهو متوفر في معظم دول العالم ولكن يجب التشخيص المبكر من اجل نجاح العلاج و يتمثل باستعمال إحدى المضادات الحيوية التاليــة:
Penicillin, Doxycycline, or Ciprofloxacin.
والله اعلـم
بقلم الـدكتـور نعيـم أبـو نبعـة
استشـاري أمـراض الجهـاز الهضمـي و الكبـد